مفاتيح الغيب
مفاتيح الغيب
Editorial
دار إحياء التراث العربي
Número de edición
الثالثة
Año de publicación
١٤٢٠ هـ
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
Exégesis
وَالْمُوَلَّدَاتِ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَأَصْنَافِ أَقْسَامِهَا وَأَحْوَالِهَا- عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَلْفِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا مَخْلُوقٌ لِمَنْفَعَةِ الْإِنْسَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الْجَاثِيَةِ: ١٣] وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ ﷻ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَلْفِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ، أو أكثر أو أقل.
أنواع العالم وإمكان وجود عوالم أخرى
: وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷻ: رَبِّ الْعالَمِينَ فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: رَبِّ مُضَافٌ وَقَوْلَهُ: الْعالَمِينَ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ تَمْتَنِعُ مَعْرِفَتُهَا إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُتَضَايِفَيْنِ، فَمِنَ الْمُحَالِ حُصُولُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى رَبًّا لِلْعَالَمِينَ إِلَّا بعد معرفة رب والعالمين، ثُمَّ إِنَّ الْعَالَمِينَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْمُتَحَيِّزَاتُ، وَالْمُفَارِقَاتُ، وَالصِّفَاتُ. أَمَّا الْمُتَحَيِّزَاتُ فَهِيَ إِمَّا بسائط أو مركبات، أو الْبَسَائِطُ فَهِيَ الْأَفْلَاكُ وَالْكَوَاكِبُ وَالْأُمَّهَاتُ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبَاتُ فَهِيَ الْمَوَالِيدُ الثَّلَاثَةُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا جِسْمَ إِلَّا هَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ حَصَلَ خَارِجَ الْعَالَمِ خَلَاءٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ، فَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ أَلْفَ أَلْفَ عَالَمٍ خَارِجَ الْعَالَمِ، / بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْعَوَالِمِ أَعْظَمَ وَأَجْسَمَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، وَيَحْصُلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِثْلَ مَا حَصَلَ فِي هَذَا الْعَالَمِ من العرش والكرسي والسموات وَالْأَرَضِينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَدَلَائِلُ الْفَلَاسِفَةِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ الْعَالَمَ وَاحِدٌ دَلَائِلُ ضَعِيفَةٌ رَكِيكَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَاهِيَةٍ، قَالَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ: -
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كَمْ لِلَّهِ مِنْ فَلَكٍ ... تَجْرِي النُّجُومُ بِهِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ مَاضِينَا وَغَابِرُنَا ... فَمَا لَنَا فِي نَوَاحِي غَيْرِهِ خَطَرُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لِلْمُتَحَيِّزَاتِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أُلُوفِ أُلُوفٍ مِنَ الْمَسَائِلِ، بَلِ الْإِنْسَانُ لَوْ تَرَكَ الْكُلَّ وَأَرَادَ أَنْ يُحِيطَ عِلْمُهُ بِعَجَائِبِ الْمَعَادِنِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي أَرْحَامِ الْجِبَالِ مِنَ الْفِلِزَّاتِ وَالْأَحْجَارِ الصَّافِيَةِ وَأَنْوَاعِ الْكَبَارِيتِ وَالزَّرَانِيخِ وَالْأَمْلَاحِ، وَأَنْ يَعْرِفَ عَجَائِبَ أَحْوَالِ النَّبَاتِ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَزْهَارِ وَالْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ، وَعَجَائِبَ أَقْسَامِ الْحَيَوَانَاتِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالْحَشَرَاتِ- لَنَفِدَ عُمُرُهُ فِي أَقَلِّ الْقَلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى غَوْرِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لُقْمَانَ: ٢٧] وَهِيَ بِأَسْرِهَا وَأَجْمَعِهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قوله رَبِّ الْعالَمِينَ.
رحمة الله تعالى بعباده لا تنحصر أنواعها
: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَاعْلَمْ أَنَّ الرَّحْمَةَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّخْلِيصِ مِنْ أَنْوَاعِ الْآفَاتِ، وَعَنْ إِيصَالِ الْخَيْرَاتِ إِلَى أَصْحَابِ الْحَاجَاتِ، أَمَّا التَّخْلِيصُ عَنْ أَقْسَامِ الْآفَاتِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْآفَاتِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَلِيلٍ مِنْهَا فَلْيُطَالِعْ «كُتُبَ الطِّبِّ» حَتَّى يَقِفَ عَقْلُهُ عَلَى أَقْسَامِ الْأَسْقَامِ الَّتِي يُمْكِنُ تَوَلُّدُهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ، ثُمَّ يَتَأَمَّلْ فِي أَنَّهُ تَعَالَى كَيْفَ هَدَى عُقُولَ
1 / 24