16

مفاتيح الغيب

مفاتيح الغيب

Editorial

دار إحياء التراث العربي

Número de edición

الثالثة

Año de publicación

١٤٢٠ هـ

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Exégesis
«إنسان» فإن للفظ مُفْرَدٌ وَالْمَعْنَى مَاهِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُرَكَّبًا وَالْمَعْنَى مُفْرَدًا، وَهُوَ مُحَالٌ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْكَلِمَةُ هِيَ اللَّفْظَةُ الْمُفْرَدَةُ الدَّالَّةُ بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى مَعْنًى، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُرَكَّبٌ مِنْ قُيُودٍ أَرْبَعَةٍ: فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ كَوْنُهُ لَفْظًا، وَالثَّانِي كَوْنُهُ مُفْرَدًا، وَقَدْ عَرَفْتَهُمَا، وَالثَّالِثُ كَوْنُهُ دَالًّا وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنِ الْمُهْمَلَاتِ، وَالرَّابِعُ كَوْنُهُ دَالًّا بِالِاصْطِلَاحِ وَسَنُقِيمُ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ وَضْعِيَّةٌ لَا ذَاتِيَّةٌ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: قِيلَ: الْكَلِمَةُ صَوْتٌ مُفْرَدٌ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى بِالْوَضْعِ: قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا فِي كِتَابِ «الْأَوْسَطِ»: وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ الصَّوْتَ مَادَّةٌ وَاللَّفْظَ جِنْسٌ، وَذِكْرُ الْجِنْسِ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْمَادَّةِ، وَلَهُ كَلِمَاتٌ دَقِيقَةٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَادَّةِ وَالْجِنْسِ، وَمَعَ دِقَّتِهَا فَهِيَ ضَعِيفَةٌ قَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ضَعْفِهَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ، وَأَقُولُ: السَّبَبُ عِنْدِي فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذِكْرُ الصَّوْتِ أَنَّ الصَّوْتَ يَنْقَسِمُ إِلَى صَوْتِ الْحَيَوَانِ وَإِلَى غَيْرِهِ، وَصَوْتُ الْإِنْسَانِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَحْدُثُ مَنْ حَلْقِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ، وَالصَّوْتُ الْحَادِثُ مِنَ الْحَلْقِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَكُونُ حُدُوثُهُ مَخْصُوصًا بِأَحْوَالٍ مَخْصُوصَةٍ مِثْلَ هَذِهِ الْحُرُوفِ، وَإِلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ مِثْلَ الْأَصْوَاتِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ الْأَوْجَاعِ وَالرَّاحَاتِ وَالسُّعَالِ وَغَيْرِهَا، فَالصَّوْتُ جِنْسٌ بَعِيدٌ، وَاللَّفْظُ جِنْسٌ قَرِيبٌ، وَإِيرَادُ الْجِنْسِ الْقَرِيبِ أَوْلَى مِنَ الْجِنْسِ الْبَعِيدِ. الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الشَّرْطُ فِي كَوْنِ الْكَلِمَةِ مُفِيدَةً أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً مِنْ حَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا، فَنَقَضُوهُ بِقَوْلِهِمْ: «ق» و«ع» وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ فِي التَّقْدِيرِ/ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُقَالَ: «قِي» و«عِي» بِدَلِيلِ أَنَّ عِنْدَ التَّثْنِيَةِ يُقَالُ: «قِيَا» و«عِيَا» وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ، أَمَّا الْوَاقِعُ فَحَرْفٌ وَاحِدٌ، وَأَيْضًا نَقَضُوهُ بِلَامِ التَّعْرِيفِ وَبِنُونِ التَّنْوِينِ وَبِالْإِضَافَةِ فَإِنَّهَا بِأَسْرِهَا حُرُوفٌ مُفِيدَةٌ، وَالْحَرْفُ نَوْعٌ دَاخِلٌ تَحْتَ جِنْسِ الْكَلِمَةِ، وَمَتَى صَدَقَ النَّوْعُ فَقَدْ صَدَقَ الْجِنْسُ، فَهَذِهِ الْحُرُوفُ كَلِمَاتٌ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَكَّبَةٍ. الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْطُوقٍ بِهِ أَفَادَ شَيْئًا بِالْوَضْعِ فَهُوَ كَلِمَةٌ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْمُرَكَّبُ، وَبِقَوْلِنَا: مَنْطُوقٌ به، يقع الاحتراز عن الخط والإشارة. دلالة اللفظ على معناه غير ذاتية الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: دَلَالَةُ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً حَقِيقِيَّةً، خِلَافًا لِعَبَّادٍ لَنَا أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَالذَّاتِيَّاتُ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ، حُجَّةُ عَبَّادٍ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَحْصُلْ مُنَاسَبَاتٌ مَخْصُوصَةٌ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمَعَانِي الْمُعَيَّنَةِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُسَمَّاهُ تَرْجِيحًا لِلْمُمْكِنِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَجَوَابُنَا أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِاخْتِصَاصِ حُدُوثِ الْعَالَمِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُرَجَّحْ، وَيُشْكِلُ أَيْضًا بِاخْتِصَاصِ كُلِّ إِنْسَانٍ بَاسِمِ عَلَمِهِ الْمُعَيَّنِ. الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: وَقَدْ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ كَوْنُهُ مُنَاسِبًا لِمَعْنَاهُ مِثْلَ تَسْمِيَتِهِمُ الْقَطَا بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُشْبِهُ صَوْتَهُ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي اللَّقْلَقِ، وَأَيْضًا وَضَعُوا لَفْظَ «الْخَضْمِ» لِأَكْلِ الرُّطَبِ نَحْوِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ، وَلَفْظَ «الْقَضْمِ» لِأَكْلِ الْيَابِسِ نَحْوِ قَضَمَتِ الدَّابَّةُ شَعِيرَهَا، لِأَنَّ حَرْفَ الْخَاءِ يُشْبِهُ صَوْتَ أَكْلِ الشَّيْءِ الرَّطْبِ وَحَرْفَ الْقَافِ يُشْبِهُ صَوْتَ أَكْلِ الشَّيْءِ الْيَابِسِ، وَلِهَذَا الْبَابِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ جِنِّي فِي «الخصائص» .

1 / 36