مفاتيح الغيب
مفاتيح الغيب
Editorial
دار إحياء التراث العربي
Número de edición
الثالثة
Año de publicación
١٤٢٠ هـ
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
Exégesis
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: تَنْعَقِدُ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَنْعَقِدُ، وَحُجَّةُ زُفَرَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إِنْ كَلَّمْتُكِ فَعِنْدَ هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْكَلَامِ حَصَلَ الشَّرْطُ، لِأَنَّ اسْمَ الْكَلَامِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا أَفَادَ شَيْئًا، سَوَاءٌ أَفَادَ فَائِدَةً تَامَّةً أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَإِذَا حَصَلَ الشَّرْطُ حَصَلَ الْجَزَاءُ، وَطُلِّقَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ إِنَّ كَلَّمْتُكِ، فَوَقَعَ تَمَامُ قَوْلِهِ: «أَنْتِ طَالِقٌ» خَارِجَ تَمَامِ مَلْكِ النِّكَاحِ، وَغَيْرَ مُضَافٍ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ، وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ- وَهُوَ قَوْلُهُ إِنْ كَلَّمْتُكِ- غَيْرُ تَامٍّ، وَالْكَلَامُ اسْمٌ لِلْجُمْلَةِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ/ إِلَّا عِنْدَ تَمَامِ قَوْلِهِ إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ اسْمَ الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ كان القول قول زفر، وإن قلنا إنه لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْجُمْلَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِمَّا يُقَوِّي قَوْلَ زُفَرَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ «إِنْ كَلَّمْتُكِ» وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهُ قَوْلَهُ:
«فَأَنْتِ طَالِقٌ» طلقت، لولا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَلَامٌ وَإِلَّا لَمَا طُلِّقَتْ، وَمِمَّا يُقَوِّي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: «كُلَّمَا كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ» ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَكَلِمَةُ «كُلَّمَا» تُوجِبُ التَّكْرَارَ فَلَوْ كَانَ التَّكَلُّمُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ كَلَامًا لَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَقَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: «كُلَّمَا كَلَّمْتُكِ» وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهُ قَوْلَهُ: «فَأَنْتِ طَالِقٌ» لِأَنَّ هَذَا الْمَجْمُوعَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذِكْرِ الْكَلِمَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَأَقُولُ: لَعَلَّ زُفَرَ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَا إِذَا قَالَ:
«إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ» أَمَّا لَوْ قَالَ: «إِنْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ» أَوْ قَالَ: «إِنْ نَطَقْتُ» أَوْ قَالَ: «إِنْ تَلَفَّظْتُ بِلَفْظَةٍ» أَوْ قَالَ: «إِنْ قُلْتُ قَوْلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ» وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلَ زُفَرَ قَوْلًا وَاحِدًا، والله أعلم.
هل يطلق الكلام على المهمل:
المسألة الثالثة عشرة [هل يطلق الكلام على المهمل]: لَفْظُ الْكَلِمَةِ وَالْكَلَامِ هَلْ يَتَنَاوَلُ الْمُهْمَلَ أَمْ لَا؟ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْكَلَامُ مِنْهُ مُهْمَلٌ وَمِنْهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَفْهُومٍ، وَلِأَنَّ الْمُهْمَلَ يُؤَثِّرُ فِي السَّمْعِ فَيَكُونُ مَعْنَى التَّأْثِيرِ وَالْكَلَامِ حَاصِلًا فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلَامُ مُخْتَصَّانِ بِالْمُفِيدِ، إِذْ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الْقَيْدُ لَزِمَ تَجْوِيزُ تَسْمِيَةِ أصوات الطيور بالكلمة والكلام.
هل الأصوات الطبيعية تسمى كلاما:
المسألة الرابعة عشرة [هل الأصوات الطبيعية تسمى كلاما]: إِذَا حَصَلَتْ أَصْوَاتٌ مُتَرَكِّبَةٌ تَرْكِيبًا يَدُلُّ عَلَى الْمَعَانِي إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ التَّرْكِيبَ كَانَ تَرْكِيبًا طَبِيعِيًّا لَا وَضْعِيًّا فَهَلْ يُسَمَّى مِثْلُ تِلْكَ الْأَصْوَاتِ كَلِمَةً وَكَلَامًا؟ مِثْلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ عِنْدَ الرَّاحَةِ أَوِ الْوَجَعِ قَدْ يَقُولُ أَخْ، وَعِنْدَ السُّعَالِ قَدْ يَقُولُ أَحْ أَحْ، فَهَذِهِ أَصْوَاتٌ مُرَكَّبَةٌ، وَحُرُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ، لَكِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى مَدْلُولَاتِهَا بِالطَّبْعِ لَا بِالْوَضْعِ، فَهَلْ تُسَمَّى أَمْثَالُهَا كَلِمَاتٍ؟ وَكَذَلِكَ صَوْتُ الْقَطَا يُشْبِهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ قَطَا، وَصَوْتُ اللَّقْلَقِ يُشْبِهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَقْ لَقْ، فَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ هَلْ تُسَمَّى كَلِمَاتٍ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمَا رَأَيْتُ فِي الْجَانِبَيْنِ حُجَّةً مُعْتَبَرَةً، وَفَائِدَةُ هَذَا الْبَحْثِ تَظْهَرُ فِيمَا إِذَا قَالَ: إِنْ سَمِعْتُ كَلِمَةً فَعَبْدِي حُرٌّ، فَهَلْ يَتَرَتَّبُ الْحِنْثُ وَالْبِرُّ عَلَى سَمَاعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمْ لَا؟.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَفْظُ الْقَوْلِ يَقَعُ عَلَى الْكَلَامِ التَّامِّ، وَعَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، على
1 / 33