121

مفاتيح الغيب

مفاتيح الغيب

Editorial

دار إحياء التراث العربي

Número de edición

الثالثة

Año de publicación

١٤٢٠ هـ

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Exégesis
تَعَالَى، وَأَمَّا الْمُتَيَقِّنُ/ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ يَقِنَ الْمَاءُ فِي الْحَوْضِ إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ، فَالْيَقِينُ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ تَعَاقُبِ الْأَمَارَاتِ الْكَثِيرَةِ وَتَرَادُفِهَا حَتَّى بَلَغَ الْمَجْمُوعُ إِلَى إِفَادَةِ الْجَزْمِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَأَمَّا التَّبْيِينُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الظُّهُورِ بَعْدَ الْخَفَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّبْيِينَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَيْنُونَةِ وَالْإِبَانَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، فَإِذَا حَصَلَ فِي الْقَلْبِ اشْتِبَاهُ صُورَةٍ بِصُورَةٍ ثُمَّ انْفَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى فَقَدْ حَصَلَتِ الْبَيْنُونَةُ، فَلِهَذَا السَّبَبِ سُمِّيَ ذَلِكَ بَيَانًا وَتَبْيِينًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّوْقِيفِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ مَذْكُورَةٌ بِالْفَارِسِيَّةِ وَبِالتُّرْكِيَّةِ وَبِالْهِنْدِيَّةِ، وَأَنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي الْأَخْبَارِ، مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِطْلَاقِهَا. الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الْأَعْرَافِ: ١٨٠] وَالِاسْمُ لَا يَحْسُنُ إِلَّا لِدَلَالَتِهِ عَلَى صِفَاتِ الْمَدْحِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ، فَكُلُّ اسْمٍ دَلَّ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ اسْمًا حَسَنًا، فَوَجَبَ جَوَازُ إِطْلَاقِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَمَسُّكًا بِهَذِهِ الْآيَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْأَلْفَاظِ إِلَّا رِعَايَةُ الْمَعَانِي، فَإِذَا كَانَتِ الْمَعَانِي صَحِيحَةً كَانَ الْمَنْعُ مِنْ إِطْلَاقِ اللَّفْظَةِ الْمُعَيَّنَةِ عَبَثًا، وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَحُجَّتُهُ أَنَّ وَضْعَ الِاسْمِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ مِنَّا يُعَدُّ سُوءَ أَدَبٍ، فَفِي حَقِّ اللَّهِ أَوْلَى، أَمَّا ذِكْرُ الصِّفَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي حَقِّنَا مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْبَارِئِ تَعَالَى. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى صِفَاتٍ لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَحْنُ نَعُدُّ مِنْهَا صُوَرًا، فَأَحَدُهَا: الِاسْتِهْزَاءُ، قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [الْبَقَرَةِ: ١٥] ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِهْزَاءَ جَهْلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا قَالُوا لِمُوسَى ﵇ أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا قالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [الْبَقَرَةِ: ٦٧] وَثَانِيهَا: الْمَكْرُ، قَالَ تَعَالَى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آلِ عِمْرَانَ: ٥٤] وَثَالِثُهَا: الْغَضَبُ قَالَ تَعَالَى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الْفَتْحِ: ٦] وَرَابِعُهَا: التَّعَجُّبُ، قَالَ تَعَالَى: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصَّافَّاتِ: ١٢] فَمَنْ قَرَأَ عَجِبْتُ بِضَمِّ التَّاءِ كَانَ التَّعَجُّبُ مَنْسُوبًا إِلَى اللَّهِ، وَالتَّعَجُّبُ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ تَعْرِضُ فِي الْقَلْبِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِسَبَبِ الشَّيْءِ، وَخَامِسُهَا: التَّكَبُّرُ، قَالَ تَعَالَى: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الْحَشْرِ: ٢٣] وَهُوَ صِفَةُ ذَمٍّ، وَسَادِسُهَا: الْحَيَاءُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [الْبَقَرَةِ: ٢٦] وَالْحَيَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَغَيُّرٍ يَحْصُلُ فِي الْوَجْهِ وَالْقَلْبِ عِنْدَ فِعْلِ شَيْءٍ قَبِيحٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَانُونَ الصَّحِيحَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنْ نَقُولَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أمور توجد معها في البداية، وآثار تَصْدُرُ عَنْهَا فِي النِّهَايَةِ، مِثَالُهُ أَنَّ الْغَضَبَ حَالَةٌ تَحْصُلُ فِي/ الْقَلْبِ عِنْدَ غَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ وَسُخُونَةِ الْمِزَاجِ، وَالْأَثَرُ الْحَاصِلُ مِنْهَا فِي النِّهَايَةِ إِيصَالُ الضَّرَرِ إِلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، فَإِذَا سَمِعْتَ الْغَضَبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَاحْمِلْهُ عَلَى نِهَايَاتِ الْأَعْرَاضِ لَا عَلَى بِدَايَاتِ الْأَعْرَاضِ، وقس الباقي عليه. بيان أن أسماء الله لا تحصى: المسألة الثالثة: [بيان أن أسماء الله لا تحصى] رَأَيْتُ فِي بَعْضِ «كُتُبِ التَّذْكِيرِ» أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَرْبَعَةَ آلَافِ اسْمٍ: أَلْفٌ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَأَلْفٌ مِنْهَا فِي التَّوْرَاةِ، وَأَلْفٌ فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَلْفٌ فِي الزَّبُورِ وَيُقَالُ: أَلْفٌ آخَرُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ الْأَلْفُ إِلَى عَالَمِ الْبَشَرِ، وَأَقُولُ: هَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، فَإِنَّا بَيَّنَّا أَنَّ أَقْسَامَ صِفَاتِ اللَّهِ بِحَسَبِ السُّلُوبِ وَالْإِضَافَاتِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَنَبَّهْنَا عَلَى تَقْرِيرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَشَرَحْنَاهُ شَرْحًا بَلِيغًا، بَلْ نَقُولُ: كُلُّ

1 / 141