11

مفاتيح الغيب

مفاتيح الغيب

Editorial

دار إحياء التراث العربي

Número de edición

الثالثة

Año de publicación

١٤٢٠ هـ

Ubicación del editor

بيروت

Géneros

Exégesis
بِبَعْضٍ كَتَسْمِيَتِهِمُ الْقَصِيدَةَ بِأَسْرِهَا «كَلِمَةً»، وَمِنْهَا يُقَالُ: «كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ»، وَيُقَالُ: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، وَلَمَّا كَانَ الْمَجَازُ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِرَاكِ عَلِمْنَا أَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ الْكَلِمَةِ عَلَى الْمُرَكَّبِ مَجَازٌ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَكَّبَ إِنَّمَا يَتَرَكَّبُ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ، فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْكَلِمَةِ عَلَى الْكَلَامِ الْمُرَكَّبِ يَكُونُ إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَلَامَ الْكَثِيرَ إِذَا ارْتَبَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ حَصَلَتْ لَهُ وِحْدَةٌ فَصَارَ شَبِيهًا بِالْمُفْرَدِ فِي تِلْكَ الْوُجُوهِ، وَالْمُشَابَهَةُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ حُسْنِ الْمَجَازِ، فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْكَلِمَةِ عَلَى الْكَلَامِ الطَّوِيلِ لِهَذَا السَّبَبِ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: لَفْظُ الْكَلِمَةِ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ لِمَفْهُومَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يُقَالُ لِعِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ، إِمَّا لِأَنَّهُ حَدَثَ بِقَوْلِهِ: «كُنْ» أَوْ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ كَمَا تَحْدُثُ الْكَلِمَةُ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى أَفْعَالَهُ كَلِمَاتٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي: [الكهف: ١٠٩] وَالسَّبَبُ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي الْقَوْلِ: هَذَا التَّرْكِيبُ بِحَسَبِ تَقَالِيبِهِ السِّتَّةِ يَدُلُّ عَلَى الْحَرَكَةِ وَالْخِفَّةِ، فالأول: «ق ول» فَمِنْهُ الْقَوْلُ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ سَهْلٌ عَلَى اللسان، الثاني: «ق ل و» وَمِنْهُ الْقِلْوُ وَهُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ، وَذَلِكَ لِخِفَّتَهِ فِي الْحَرَكَةِ وَمِنْهُ «قَلَوْتُ الْبُرَّ وَالسَّوِيقَ» فَهُمَا مَقْلُوَّانِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا قُلِيَ جَفَّ وَخَفَّ فَكَانَ أَسْرَعَ إِلَى الْحَرَكَةِ، وَمِنْهُ الْقَلَوْلَى، وَهُوَ الخفيف الطائش، والثالث: «وق ل» الْوَقِلُ الْوَعِلُ، وَذَلِكَ لِحَرَكَتِهِ، وَيُقَالُ «تَوَقَّلَ في الجبل» إذا صعد فيه، والرابع: «ول ق» يُقَالُ: وَلَقَ يَلِقُ إِذَا أَسْرَعَ، وَقُرِئَ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [النور: ١٥] أي: تخفون وتسرعون، والخامس: «ل وق» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَا آكُلُ الطَّعَامَ إِلَّا مَا لُوِّقَ لِي» أَيْ: أُعْمِلَتِ الْيَدُ فِي تَحْرِيكِهِ وَتَلْيِينِهِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَمِنْهُ اللُّوقَةُ وَهِيَ الزُّبْدَةُ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِخِفَّتِهَا وَإِسْرَاعِ حَرَكَتِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِهَا مَسْكَةُ الْجُبْنِ وَالْمَصْلِ، وَالسَّادِسُ: «ل ق و» وَمِنْهُ اللَّقْوَةُ وَهِيَ الْعُقَابُ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِخِفَّتِهَا وَسُرْعَةِ طَيَرَانِهَا، وَمِنْهُ اللَّقْوَةُ فِي الْوَجْهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ اضْطَرَبَ شَكْلُهُ فَكَأَنَّهُ خِفَّةٌ فِيهِ وَطَيْشٌ، وَاللِّقْوَةُ النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ اللِّقَاحِ. الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ ابْنُ جِنِّي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اللُّغَةُ فُعْلَةٌ مِنْ لَغَوْتُ أي: تلكمت، وَأَصْلُهَا لُغْوَةٌ كَكُرَةٍ وَقُلَةٍ فَإِنَّ لَامَاتِهَا كُلَّهَا وَاوَاتٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ كَرَوْتُ بِالْكُرَةِ وَقَلَوْتُ بِالْقُلَةِ، وقيل فيه لغى يلغى إذا هذا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا: [الْفُرْقَانِ: ٧٢] قُلْتُ: إِنَّ ابْنَ جِنِّي قَدِ اعْتَبَرَ الِاشْتِقَاقَ الأكبر في الكلمة والقول ولم يعتبره هاهنا، وَهُوَ حَاصِلٌ فِيهِ، فَالْأَوَّلُ: «ل غ و» وَمِنْهُ اللُّغَةُ وَمِنْهُ أَيْضًا الْكَلَامُ اللَّغْوُ، وَالْعَمَلُ اللغو، والثاني: «ل وغ» وَيُبْحَثُ عَنْهُ، وَالثَّالِثُ: «غ ل و» وَمِنْهُ يُقَالُ: لِفُلَانٍ غُلُوٌّ فِي كَذَا، وَمِنْهُ الْغَلْوَةُ، والرابع: «غ ول» ومنه قوله تعالى: لا فِيها غَوْلٌ: [الصافات: ٤٧] والخامس: «وغ ل» وَمِنْهُ يُقَالُ: فُلَانٌ أَوْغَلَ فِي كَذَا والسادس: «ول غ» وَمِنْهُ يُقَالُ: وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْكُلِّ هُوَ الْإِمْعَانُ فِي الشَّيْءِ وَالْخَوْضُ التَّامُّ فِيهِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: فِي اللَّفْظِ: وَأَقُولُ: أَظُنُّ أَنَّ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ عَلَى هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ عَلَى سبيل المجاز، وذلك لأنها إنما تحدث عنه إِخْرَاجِ النَّفَسِ مِنْ دَاخِلِ الصَّدْرِ إِلَى الْخَارِجِ فَالْإِنْسَانُ عِنْدَ إِخْرَاجِ النَّفَسِ مِنْ دَاخِلِ الصَّدْرِ إِلَى الْخَارِجِ يَحْبِسُهُ فِي الْمَحَابِسِ الْمُعَيَّنَةِ، ثُمَّ يُزِيلُ ذَلِكَ الْحَبْسَ، فَتَتَوَلَّدُ تِلْكَ الْحُرُوفُ فِي آخِرِ زَمَانِ حَبْسِ النَّفَسِ وَأَوَّلِ زَمَانِ إِطْلَاقِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّفْظَ هُوَ: الرَّمْيُ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الْأَصْوَاتِ

1 / 31