La Ciudad Ideal en los Filósofos del Siglo XVIII
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Géneros
فهذا هو عصر السكون الذي تلا خلاف الفرق الدينية والسياسية في القرن السابع عشر، وارتاح الناس في ظله إلى ما ذهب إليه مالبرانش
18
في قوله: «إن الله خلق العالم كأحسن ما يمكنه أن يخلق»، بالمبادئ العامة القليلة التي كانت لديه، أو إلى ما ذهب إليه لبينتز - وقد كان في مذهبه هذا قاطعا أكثر من مالبرانش - في قوله: «إننا إن اعتبرنا الكون في كله وعلى مدار الزمان تبينا أن العالم الموجود خير من أي عالم ممكن وجوده.» وهذا العصر الذي نتحدث عنه كان أيضا عصر أثرة ومتعة - أمثلتها في والبول والوصي والملك المحبوب جدا،
19
والأثرة حدت بهذا العصر إلى أن يكون فرحا بما أوتي، وإلى أن يوقن بأن لا محل للتمني، ولا محل للأسى على المجد الذي كانه اليونان، ولا محل لأن يخشى المقارنة بأي عصر آخر، بل هو يقبلها معتدا بنفسه واثقا بما لديه من مجد مكين حقا، وإن كان أقل رواء من غيره.
ولكن حدث قرب نهاية القرن الثامن عشر أن تبدلت الحال غير الحال، واستبدل الناس السخط بحسن الظن، وبقي لهم التفاؤل بل اشتد، ولكن على منوال آخر؛ التفاؤل بما يرجون أن يكون في مستقبل الأيام بغض النظر عما هو عليه حاضرها، باليقين بأن الزمان كفيل بتقويم ما هو معوج، وقد أيد الإيقان بأن الإصلاح لن يكلفهم عناء كبيرا التقدم المحسوس في العلوم، وجاء هذا التقدم مصداقا لما تنبأ به فونتنيل من أن نمو العلوم وتطبيقها لن يقفا عند حد، كما أيدته نظريات لوك في علم النفس، وما أدخله عليها كوندياك من تبسيط وتعزيز، وقد تقبلوا هذه النظريات على أنها بديهية، فظاهر أن الإنسان من صنع بيئته؛ أي من صنع الأحوال الطبيعية التي يعيش فيها والنظم التي تدبر بموجبها أموره، وظاهر أن البيئة إذا شكلت من جديد طبقا للقوانين الطبيعية الثابتة القابلة للتعيين، فإن إصلاح حاله حسيا ومعنويا يمكن تحقيقه سريعا، وعلى هذا النحو استسهلوا فيما بعد وضع الدستور الصالح للأمة الفرنسية، استسهلوه كما قال قائل منهم في الجمعية الوطنية في مبدأ الثورة؛ لأن مثاله منقوش في الصدور «لن يستغرق وضعه - فيما أظن - إلا شغل يوم أو بعض يوم، فها هي ذي مادته جاهزة كونتها استنارة قرن كامل .»
وقد اعترض هيكويل في القرن السابع عشر على نظرية فساد العالم المطرد العام اعتراضا عمليا صرفا، فقال: إن الأخذ بهذه النظرية يميت الأمل ويوهن العزم، وإنا لو عكسنا القضية وقلنا: إن إحياء الأمل واستحثاث العزم يبعثان في الإنسان الإيقان بصلاح العالم صلاحا سريعا عاما، فإنا نجد في أحوال القرن الثامن عشر قرب نهايته مصداقا لهذا القول، نجد مصداقا له فيما سبق الثورة الفرنسية من عزم وأمل.
عزم القول عزما أكيدا على إصلاح شئونهم، وقد قادهم العزم إلى الثورة وبث فيهم شعورا حارا عاطفيا، بل دينيا بأن المستقبل بل المستقبل القريب سيفضل الحاضر والماضي، بل لن يكون هناك وجه للمقارنة.
وحدث في فرنسا حيث كان السخط على أشده أن أصبح لنظرية التقدم المطرد وقابلية الإنسان للكمال المطلق المقام الأول في دين الإنسانية الجديد، ولم يكن لها ذلك عند فونتنيل، حقيقة أنه تصوره، ولكن على أنه تقدم يجري تدريجيا بموجب نمو المعارف والاستدلال الصحيح، ولم يدر في خلده أو في خلد الكثيرين من معاصريه أن يتوقع تغيرا تاما وصلاحا كاملا في الأخلاق أو في النظم الاجتماعية، وفرق بين أن يلهو الأدباء بفكرة الأوتوبيا كما أخرجها أفلاطون أو توماس مور
20
Página desconocida