La Ciudad Ideal en los Filósofos del Siglo XVIII
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Géneros
6
وانقضت أربعة قرون قبل أن يكون لهذه الفكرة المثمرة أثرها في شئون العالم، ولا يصعب تعليل طول هذه المدة، فمعاصرو دانتي لا يعدون الاشتغال من أجل الخلف أمرا ذا جدوى، وكيف يكون ذا جدوى ومصير الخلف ومصيرهم هم - مصير بني الإنسان عموما - قد قضي فيه القضاء المبرم، وفي يوم القيامة يكون الفصل والأنباء، وقد كان خليقا بالفكرة أن تستهوي أراسمس ومعاصريه
7
بما لها من قيمة إنسانية، لولا أنها دعتهم للتفكير في المستقبل، وهم بالإعجاب بالماضي مشغولون.
ولقد بلغ من عرفان الإنسانية فضل اليونان والرومان عليهم؛ إذ أطلقوهم من ربقة الخرافات، أنهم رفضوا أن ينسبوا لحضارة عصرهم أي فضل على الحضارة القديمة، فكيف يحق لهم والأمر كذلك أن يوازنوا حضارة يتذوقونها ويعجبون بها بشيء مستقبل مجهول؟ وكيف ينصرفون عن تلك إلى هذه؟ وقد فاتهم إدراك حقيقة بسيطة «كما لا يزال يفوت الكثير حتى في زماننا هذا»، وهي أن الطريقة الحقة لمحاكاة اليونان هي عدم محاكاتهم؛ لأن اليونان لم يحاكوا أحدا ما، فعلى الفيلسوف إذا شاء أن يفهم فكرة التقدم الحديثة، وإذا شاء أن يشتغل صادقا بأمر الخلف أن يبدأ بنبذ عبادة الآباء وتحليل شعور النقص الذي يشعر به نحو الماضي هباء، والإيمان بأن جيله الحاضر يفضل أي جيل مما عرفوا.
وكان بين السابقين إلى توجيه الفكر نحو هذا فرنسيس بيكون، وقد وردت في «الأورغانون الجديد» العبارة المشهورة التي يعترض فيها بيكون على تسمية اليونان والرومان «الأقدمين»، وقال: إنهم ليسوا بالأقدمين، فقد عاشوا في شباب العالم، وما الأقدمون حقا إلا المحدثون، وهؤلاء يجب أن يكونوا أعلم من اليونان والرومان بحكم أنهم جاءوا بعدهم، فتعلموا كل ما أضيف للعلم حتى زمنهم.
8
وإني لا أدري أقرأ بسكال ما قاله بيكون أم لم يقرأ، ولكنه من المحقق على أي حال أنه أدى فكرة بيكون خيرا من أداء صاحبها، قال: «يجب أن نعد جميع أجيال البشر التي تتعاقب على مر العصور كما لو كانت إنسانا واحدا لا يموت أبدا، مستديم التعلم، وعلى هذا فلا مبرر يبرر الإذعان الذي نذعن للفلاسفة القدماء، وبيان هذا على الوجه التالي: لما كانت الشيخوخة أبعد أدوار العمر عن الطفولة، فواضح أنه يجب أن تلتمس شيخوخة الإنسان المشخص للإنسانية في أبعد أدوار عمره من ميلاده لا في قربها إليه، وأولئك الذين نسميهم «الأقدمين» كانوا الذين عاشوا في شباب العالم وفي طفولة الإنسان الحقة، ولما كنا قد أضفنا إلى ما علموه ما تعلمناه على مر العصور بينهم وبيننا، فيجب أن نلتمس في أنفسنا ذلك القدم الذي نجله في غيرنا.»
9
وحينما كتب باسكال هذه الكلمات كانت المعركة المشهورة بين الأقدمين والمحدثين دائرة، بل كان قد مضى على نشوبها زمن، وقد أرخ مبادئ تلك المناظرة المشهورة الأستاذ بري في كتابه القيم جدا «فكرة التقدم المطرد».
Página desconocida