La Ciudad Ideal en los Filósofos del Siglo XVIII
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Géneros
وبينما لم يبلغ أكثر الفلاسفة الآخرين في سوء الظن بالماضي الحد الذي بلغه شاتلو، فإنهم يقرونه على ما ذهب إليه من وجوب استخراج تلك الحقائق العامة التي يمكن الاعتبار بها والانتفاع منها، ونستطيع أن نجد شواهد عديدة تؤيد هذا في كتابات كل من فونتنيل وبريستلي وبولينجبروك وكوندياك وجيبون وروسو ورولان على ما بينهم من اختلاف فيما عدا ذلك، ولكن ليس هناك ما يدعو لهذا كله؛ إذ هي جميعا تتفق في المعنى، وتختلف في المبنى، وشاهد واحد منها يغني عن سائرها، ولنقتبسه من مقدمة ديكلو لكتابه في تاريخ لوليس الحادي عشر؛ إذ هي تعبر عن مقصدهم خير تعبير،
41
قال:
لن أتولى إثبات فائدة التاريخ ففائدته حقيقة نالت من اعتراف عموم الناس ما يجعلها بلا حاجة لبرهان، (والمطلع على التاريخ) يقع بصره على عدد معين من المناظر، تتوالى على مسرح العالم متكررة تكرارا مستمرا، فإذا ما شهدنا نفس الأخطاء تتبعها حتما نفس المصائب كنا على حق إن بنينا على تلك المشاهدة هذا الحكم، إننا لو تجنبنا الأخطاء لتجنبنا المصائب المترتبة عليها، فالتاريخ إذن ينير المستقبل أمامنا، ومعرفة التاريخ إذن ما هي إلا معرفة المتوقع حدوثه.
ويجمل هيوم هذا كله في جملتين: «بلغ من مماثلة بني الإنسان - أيا كان زمانهم ومكانهم - بعضهم البعض الآخر أن التاريخ لا يطلعنا أبدا على جديد أو غريب يتعلق بهم، فتكون الغاية الكبرى منه إذن
42
الكشف عن المبادئ الثابتة العامة في الطبيعة الإنسانية.»
ونعود للسؤال، أصحيح ما زعمه المؤرخون في القرن التاسع عشر من عمل الفلاسفة على (قطع الصلة بالماضي)، مما لا شك فيه أنهم رغبوا في التخلص من الآراء والعادات الفاسدة التي أورثهم إياها الماضي، ومما لا شك فيه أيضا أنهم رغبوا في التمسك بالصالحة منها إن وجدت، ولكننا أعدنا إثبات السؤال لغير هذا، أثبتناه لأنه ما كان ينبغي أن يسأل؛ وذلك لأنه ينسب إلى جو القرن الثامن عشر فكرة لم تكن قد وجدت فيه بعد، فهذه العبارة (قطع الصلة بالماضي) تجري من تلقاء نفسها على ألسنة المؤرخين في القرن التاسع عشر؛ لأن نظرية اتصال التاريخ، وتطور النظم كانت مما شغلهم كثيرا، ولهذا تعليل نفهمه إذا تذكرنا حاجة الشعوب الأوروبية إلى الاستقرار الاجتماعي بعد ثورات وحروب دامت خمسة وعشرين عاما.
وتكفل المؤرخون والفقهاء المشتغلون بدراسة الأصول الاجتماعية في القرن التاسع عشر بتشكيل تلك الحاجة تشكيلا عقليا على النحو الآتي: تساءلوا: كيف تطور المجتمع عموما، والمجتمع في هذه الأمة أو تلك خصوصا، إلى أن صار ما هو عليه الآن؟ وينطوي السؤال على فكرة باطنة سابقة لوضعه، ألا وهي أن الناس لو فهموا كيف تتطور عادات شعب من الشعوب إلى أوضاعها الراهنة؛ لأدركوا الحمق الذي تنطوي عليه أي محاولة من جانبهم لإعادة تشكيلها جملة ودفعة واحدة طبقا لخطة مرسومة، وهذا ما دعا المؤرخين والفقهاء في القرن التاسع عشر، لتقرير نظرية اتصال التاريخ، وعلى هذا كان طبيعيا أن يعتبروا الاعتقاد في إمكان قطع الاتصال التاريخي عملا لا تاريخيا، وأن يعدوا محاولة ذلك عملا وخيم العاقبة، كما لو قطعت شجرة طيبة ما يصلها بالجذور التي تمدها بالغذاء، وهكذا كانت نظرية اتصال التاريخ لازمة لحاجات القرن التاسع عشر، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة لفلاسفة القرن الثامن عشر إلا قليلا، على أنهم لم يكونوا بها جاهلين، فكانت موجودة فعلا، وكانت تحت تصرفهم إن صح التعبير، فمثلا فكرة تفوق المحدثين على الأقدمين بحكم أن المحدثين لديهم كل ما كان للأقدمين من علم وتجارب، هذه الفكرة تتضمن اتصال التاريخ، كما يتضمنها ذلك الحلم البراق، قابلية الإنسان للكمال المطلق، ونجدها كذلك في كتابات فيكو
43
Página desconocida