La ciudad ideal a través de la historia
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Géneros
استدعي فوانيي للمثول أمام الجماعة المبجلة، وأنكر أنه هو مؤلف الكتاب. وروى حكاية غير مقنعة عن كيفية وصول المخطوطة إلى يده، وزعم أيضا أنه تسلم تصريحا بنشر الكتاب من موظف حكومي كان قد مات قبل ذلك بأسابيع. وقضت الجماعة ثلاثة شهور في فحص ومناقشة موضوع فوانيي، وتم التحفظ عليه هو وناشره وأودعا السجن. ولما مثل مرة أخرى أمام القضاة اعترف بأنه هو مؤلف الكتاب، والتمس الرأفة بحاله فأفرج عنه بكفالة. واستغل فرصة خروجه من السجن في كسب تأييد عدد من أعضاء المجلس الكنسي والمجلس القضائي، ولكن الأمر بقي معلقا لأجل غير مسمى.
ولم نستطع هنا تناول الفترة الأخيرة من إقامة فوانيي في جنيف والمصائب الجديدة التي ألمت به، على الرغم من أهميتها في التعرف على الحياة الأخلاقية في مدينة جنيف في ذلك الوقت. ويكفي أن نقول إنه رجع في أواخر حياته إلى فرنسا وإلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ومعه الخادمة (التي كان قد أغواها) وبعض أطفاله الذين لم ينجح سكان جنيف في اختطافهم، وأنه قضى سنواته الأخيرة في أحد الأديرة حيث مات عام 1692م.
وعلى الرغم من أن يوتوبيا جبرييل دي فوانيي تؤثر في النفس أكثر من حياته، فلم يكن من المستغرب أن تصدم علماء اللاهوت في جنيف. والواقع أن آراءه حول الدين لا تخلو من التجديف، لأنه يهاجم كل الأسس التي يقوم عليها. فالأستراليون الذين صورهم لا يؤمنون بمذهب الوحي، لأن من المحال في رأيهم أن يفضل الرب بعض مخلوقاته على غيرهم. وهم يسخرون من الاعتقاد في خلود النفس ويرون أنه غير منطقي، لأنه يسمح للموتى بالسفر إلى العالم الآخر بينما يعجز الأحياء عن ذلك، ومعنى هذا أن الموتى يتمتعون بحرية الحركة أكثر من الأحياء، وهو تناقض. والصلاة، في نظرهم فعل يدل على انعدام التفكير، لأنها تفترض أن الله لا يعرف رغباتنا وهذا تجديف، وإذا آمنا بأنه يعرفها، ولكنه لا يريد لنا أن نشبعها، فنحن غير أتقياء، وإذا تصورنا أنه غير مبال، فقد انتهكنا حرمة المقدسات.
إن الله فوق إدراكنا الضعيف ولا يمكن وصفه بأي أوصاف محددة، والشيء الوحيد الذي يمكننا عمله هو أن نؤكد وجوده. وحتى لو سلمنا بأن معرفة الله ممكنة، فلن يؤدي هذا إلا إلى التفرقة بيننا وجر الشقاء علينا.
إن الأستراليين يؤمنون بالله ولكنهم لا يتكلمون عنه أبدا؛ «فدينهم هو عدم الكلام في الدين». ليس لديهم كهنة، والشعب يجتمع للتأمل وليس للصلاة. وهكذا تجرد الدين عندهم من كل أوصافه ووظائفه المألوفة وأصبح هو التدين الطبيعي
11
الذي انتشر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ويستبق فوانيي كذلك فلاسفة القرن الثامن عشر بإيمانه بالخيرية المتأصلة في الطبيعة البشرية. فلم يولد الإنسان شريرا كما يقول الدين المسيحي، وإنما ولد حرا وعاقلا وخيرا. وقد وصف بعض النقاد يوتوبيا فوانيي بأنها الجنة قبل السقوط في الخطيئة، ولكن الأقرب إلى الحقيقة هو أنه لم يؤمن بالخطيئة الأصلية التي اعتبرها من اختراع الدين.
لقد ولد هؤلاء الأستراليون خيرين أحرارا، ولهذا فإنهم لا يحتاجون إلى الحكومة ولا إلى الدين. إنهم يلتقون لمناقشة شئون الجماعة ولكن ليس لديهم قوانين مكتوبة ولا حكام. وليس لديهم، بطبيعة الحال، ملكية خاصة، بل إنهم لا يعرفون الفرق بين «أملك» و«تملك». والأسرة لا تهدد وحدة المجتمع، لأنها غير موجودة.
لقد ألغيت العلاقات الجنسية جملة وتفصيلا، وهنا يميل فكر فوانيي إلى الغموض، فالأستراليون أمة من جنس واحد ولا يمارسون الجنس، والأطفال يولدون عندهم بطريقة غامضة ... هل اخترع فوانيي هذا الجنس «غير الجنسي»، كما يفترض «لاشيفر»، ليتحاشى مناقشة آرائه في موضوع يمكن أن يصدم «الجماعة المبجلة»؟ يبدو أن هذا احتمال بعيد، لأنه لا يتورع عن أن «يصدم» القارئ بوصفه لمشاعر جيمس سادير تجاه مواطنيه الأستراليين «غير الجنسين». ربما أراد فوانيي أن ينتقد الموقف المسيحي من الجنس. ولو كان الغرض الوحيد من العلاقات الجنسية هو التناسل، فلماذا لا يلغى الجنس تماما؟ والواقع أن السرية التي يحيط بها الأستراليون عملية التناسل، والفزع الذي ينظرون به إلى العلاقات الجنسية، لا يختلفان عما كان شائعا عند الكلفينيين الذين عاش معهم فوانيي. ومع ذلك فمن الغريب أن نجد عددا كبيرا من اليوتوبيات التي تعتبر مجتمعات لا جنسية. فالحب بين الرجل والمرأة في جمهورية أفلاطون مرتبط بوظيفة تحسين النسل، و«الهويهنمز» لسويف ينظرون إلى العلاقات الجنسية بنفس الفزع الذي ينظر به الأستراليون عند فوانيي، والرجال والنساء من أهالي «العصر الكريستالي» لهدسون
Página desconocida