مُنظَرِينَ﴾ .
بل إن كثيرًا من هؤلاء السلاطين والأمم كانوا كلًا على ظهر الأرض، وويلًا للنوع الإنساني وعذابًا للأمم الصغيرة والضعيفة، ومنبع الفساد والمرض في جسم المجتمع البشري، يسري منه السم في أعصابه وعروقه، ويتعدى المرض إلى الجسم السليم فكان لا بد من عملية جراحية، وكان قطع هذا الجزء السقيم وإبعاده من الجسم السليم مظهرًا كبيرًا لربوبية رب العالمين ورحمته، يستوجب الحمد والامتنان من جميع أعضاء الأسرة الإنسانية، بل من جميع أفراد الكون ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ولكن لم يكن انحطاط المسلمين ووال دولتهم وركود ريحهم- وهم حملة رسالة الأنبياء، وهم للعالم البشري كالعافية للجسم الإنساني- انحطاط شعب أو عنصر أو قومية، فما أهون خطبه وما أخف وقعه، ولكنه انحطاط رسالة هي للمجتمع البشري كالروح، وانهيار دعامة قام عليها نظام الدين والدنيا.
فهل كان انحطاط المسلمين واعتزالهم في الواقع مما يأسف له الإنسان في شرق الأرض وغربها، وبعد قرون مضت على الحادث؟
وهل خسر العالم حقًا- وهو غني بالأمم والشعوب- بانحطاط هذه الأمة شيئًا؟ وفيم كانت خسارته ورزيته؟
وماذا آل إليه أمر الدنيا، وماذا صارت إليه الأمم بعدما تولت قيادها الأمم الأوروبية حتى خلفت المسلمين في النفوذ العالمي، وأسست دولة واسعة على أنقاض الدولة الإسلامية؟
وماذا أثر هذا التحول العظيم في قيادة الأمم وزعامة العالم في الدين والأخلاق والسياسة والحياة العامة وفي مصير الإنسانية؟
وكيف يكون الحال لو نهض العالم الإسلامي من كبوته وصحا من غفوته، وتملك زمام الحياة؟
ذلك كله ما نحاول الإجابة عنه في الصفحات الآتية! ...
أبو الحسن علي الحسني
1 / 30