Analysis ، وهو الذي أصبح فيما بعد أساس المنطق الأرسطي في كتابيه الرئيسين أنالوطيقا الأولى وأنالوطيقا الثانية، أي القياس والبرهان. خذ مثالا لذلك فكرة «المساواة» وكيف يحللها في محاورة «فيدون» من النظر إلى قطع متساوية من الخشب. ويقول بروقلس في تعليقه على الكتاب الأول لإقليدس عن ليوداماس: «إن أفلاطون شرح له طريقة التحليل، فكانت عونا له في الكشف عن أمور هندسية كثيرة.»
ولقد اشتهرت الأكاديمية باستخدام منهج القسمة، وبخاصة القسمة الثنائية. وفي محاورة السفسطائي نموذج لهذا المنهج. والقسمة مفيدة في التصنيف والتعريف. تدور محاورة السفسطائي بين ثيودورس القورينائي، وثياتيتوس الرياضي، وسقراط، وشخص رابع من إيليا. وقد حاول المتحاورون - وهم كما نرى رياضيون - تحديد معاني السفسطائي، والسياسي، والفيلسوف. فالسفسطائي يعالج فنا من الفنون، والفنون إما أن تكتسب وإما أن تبتدع.
والفنون المكتسبة إما أن تكون بالتعلم أو المحاكاة، وهي كالتجارة، والحرب، والصيد.
والصيد أنواع؛ منه اقتناص الأحياء، ومنه اقتناص غير الحي.
وصيد الأحياء أنواع؛ مثل صيد السمك في البحار، والطيور في الهواء، والدواب على ظهر الأرض، وذلك بضروب مختلفة من الشباك والفخاخ والصنانير. والسفسطائي صائد ، وفنه مكتسب، وصناعته اقتناص الناس من ذوي الحسب والمال، يقدم لهم علما مقابل ما يأخذه من أجر. فهذا نموذج للقسمة الثنائية، ومنهج القسمة وفائدته في التعريف والتصنيف.
ولم تكن الأكاديمية مقصورة في أبحاثها على العلوم الرياضية فقط، بل كانت تبحث أيضا في علوم الحياة. ولكن اتجاه المدرسة بوجه عام كان نحو الرياضيات. وقد احتفظ أحد شعراء الكوميديا بصورة تحكي ما كان يجري في الأكاديمية من بحث في النبات، قال أفكراتس شاعر الكوميديا في تمثيليته التي يدور فيها الحوار على النحو التالي: - أخبرني عن أفلاطون، وسبيسيبوس، ومينديموس، ماذا يعملون الآن؟ أي فكرة عميقة يبحثونها؟ وأي جدل شديد يدور بينهم؟ - إني أعرف كل شيء وسأخبرك ببساطة. في عيد البناثيناي رأيت جماعة من الشباب في ملعب الأكاديمية، وهناك سمعت أمورا بعيدة عن التصديق؛ كانوا يعرفون ويقسمون العالم الطبيعي، ويميزون عادات الحيوان وطبائع الشجر وأنواع الخضر، ورأيت معهم «يقطينا» كانوا يبحثون من أي نوع هو. - وهل قرروا أي نبات هو، ومن أي نوع؟ أخبرني إن كنت تعرف. - حسنا! لقد ظلوا جميعا أول الأمر صامتين، وانحنوا فوقها بعض الوقت يتأملونها. وفجأة وهم ما زالوا يفحصونها، قال أحد التلاميذ إنها خضر مستديرة، وقال آخر إنها حشيش، وثالث إنها شجرة. فلما سمع طبيب صقلي كان موجودا هناك ذلك الحديث، انفجر ساخطا على الهراء الذي ينطقون به. - أحسب أنهم لا بد غضبوا غضبا شديدا، وصاحوا في وجهه؛ إذ من الفظاظة أن يفعل ذلك في وسط الحديث. - لم أحفل بالتلاميذ، ولكن أفلاطون الذي كان موجودا أخبرهم في عطف شديد، وبغير انزعاج أن يحاولوا من البدء تعريف نوعها. ثم مضوا في تعريفاتهم.
ويتضح من النص السابق أن الأكاديمية كانت تبحث في علوم الحياة. ثم إن سبيسيبوس ابن أخت أفلاطون، وخليفته في رئاسة المدرسة، كتب فيما بعد مؤلفات في الحيوان والنبات، بقي منها أجزاء تبحث في الأسفنج والمحار. وليس بعيدا أن الأكاديمية زمان أفلاطون كانت مجهزة بالأدوات العلمية والخرائط، ولا نزاع أنها كانت مجهزة بالكتب. ولكن يمكن القول إن الأكاديمية اتجهت على العموم وجهة رياضية، على حين اتخذت مدرسة أرسطو - وهي اللوقيون - طابعا بيولوجيا طبيعيا. •••
يتضح مما سبق أن الأكاديمية اهتمت ببحث سائر العلوم والمعارف، ولكنها قدمت بعضها على بعضها الآخر، بحسب اتجاهها في الفلسفة. ويمكن تقسيم العلوم بحسب أهميتها أربعة أقسام؛ هي الفلسفة، ثم العلوم الإنسانية من سياسة وأخلاق ونفس واجتماع، ثم العلوم الرياضية من حساب وهندسة وفلك وموسيقى، ثم العلوم الطبيعية وعلوم الحياة.
والفلسفة تاج هذه العلوم كلها، وهي الغاية التي ينتهي إليها الطالب، بعد أن يتبحر في العلوم، وبخاصة الرياضيات. وتجتمع فلسفة أفلاطون في كلمة واحدة هي «المثل». وأفلاطون هو الذي ابتدع الفلسفة المثالية، ولا تزال المثاليات حتى اليوم تعتمد في نزعتها عليه. «المثل» عند أفلاطون هي النماذج الثابتة الأزلية التي بها يفسر وجود الموجودات ومعرفتها. ولقد كانت المشكلة التي واجهها مفكرو الإغريق والتمسوا لها الحل هي أصل هذه الموجودات الكائنة، والتي تظهر إلى الوجود ثم تولي عنه، أي تفسير التغير والكثرة، أهذه الكثرة حقيقية أم أنها ترتد إلى شيء واحد؟ وهل هذا التغير الذي نشاهده حقيقي، أم أنه مظهر فقط يخفي وراءه ثباتا؟
واختلفت وجهات نظر الفلاسفة اليونانيين اختلافا كبيرا منذ القرن السادس؛ بعضهم يقول بمبدأ واحد مادي؛ كالماء، أو الهواء، أو النار. وبعضهم الآخر يذهب إلى القول بالعناصر الأربعة مثل إنبادوقليس. وبعضهم الثالث يقول بالذرات مثل ديمقريطس ومدرسته. هذا إلى الفيثاغوريين الذي فسروا الموجود بالمبدأ الرياضي، وبالشكل الهندسي. ثم ظهر بارمنيدس في إيليا بجنوب إيطاليا، فقرر أن «الوجود موجود»، وأنه واحد، وأنه ثابت، وهذا هو طريق الحق. أما إذا سار الإنسان في طريق «الظن»، فإنه يرى الموجود كثيرا، ومتغيرا.
Página desconocida