مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام PageV0MP001
مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام تأليف الفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي المتوفى 1009 ه الجزء الأول تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث PageV0MP003
الكتاب: مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام - ج 1 المؤلف: السيد محمد بن علي الموسوي العاملي.
تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة الطبعة: الأولى - محرم 1410 ه.
المطبعة: مهر - قم الكمية 3000 نسخة السعر 2000 ريال PageV0MP004
بسم الله الرحمن الرحيم PageV0MP005
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث قم - صفائيه - ممتاز - پلاك 737 - ص. ب 996 / 37185 - هاتف 13456 PageV0MP006
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن العلم من الأمور التي مجدها الاسلام وحث عليها المسلمين، ونصت آيات عديدة من الذكر الحكيم على مدح العلم والعلماء، والأمر بطلب العلم.
فقد أمر الله تعالى بالنظر والتفكر والتدبر ومدح أولي الألباب، بل وحصر خشيته بالعلماء حيث قال تعالى * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) *.
ووردت - أيضا - أحاديث كثيرة على لسان الرسول الأكرم وخلفائه المعصومين صلى الله عليهم الجمعين تنص على تمجيد العلم وإكبار العلماء والحث على طاعتهم وإعانتهم في إقامة أحكام الدين وبأنهم أمناء الله على دينه وهم الذين تضع الملائكة أجنحتها لهم، ويستغفر لهم الطير في السماء والسمك في الماء.
حتى أن الإمام المعصوم عليه السلام قد جعل العلماء نوابه من بعده لقوله: " من كان من الفقهاء صائنا لنفسه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه ".
فمدرسة أهل البيت عليهم السلام لم تخل يوما من عالم أو متعلم، فقدمت بذلك خدمات جلى للإسلام من أول أيام الرسالة وإلى يومنا هذا. PageV0MP007
وما تأسيس الإمام الصادق عليه السلام لمدرسته الكبرى التي تخرج منها أربعة آلاف عالم في مختلف أنواع العلوم والمعرفة إلا دليل بين على ما قدمته مدرسة أهل البيت، فإذا أردنا استقصاء جميع تلامذة الإمام عليه السلام ومن ثم أهم الأفكار والأصول التي كان يطرحها الإمام لرأينا عمق الامتداد والتأثير الذي مارسته هذه المدرسة على مختلف المذاهب والعلوم الإسلامية، وما تصريح بعض أقطاب المذاهب الإسلامية بفضل الإمام عليهم إلا دليلا لما قدمناه.
والعلم الذي أولاه أهل البيت عليهم السلام كثير اهتمام ودعوا الناس إلى تعلمه ودراسته هو علم الفقه فبه نظام معاشهم وصلاح معادهم، ولأنه قانون الشريعة الذي إن سار الناس على هديه ضمن لهم الفوز والنجاح في الدارين.
وإن أهم ما يميز الجانب الفقهي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام هو الحيوية الدائمة والعطاء الخصب والنمو الذاتي المستمر مما لا نجد له نظيرا في المدارس الأخرى التي تجمد فقهها عند مقطع زمني محدد يتجاوزه التاريخ باستمرار، أو عند آراء فقيه معين لا يتميز عن غيره بشئ.
لذا كان من الطبيعي أن يجتاز فقه آل البيت عليهم السلام بعدة أدوار فقهية، وكان لكل دور نوابغ من الفقهاء الزهاد والعلماء الأبرار الذين محصوا الأمور وبينوا الأحكام.
فابتدأت مسيرة الفقه الشيعي من بعد الغيبة الصغرى بمدرستي " القميين " و " والقدميين " اللتين سارتا بالفقه خطوات موفقة.
حتى جاء من بعدهم الشيخ المفيد (قدس سره) والذي له فضل كبير في حفظ الفقه الشيعي، حيث محص - رحمه الله - آراء القدميين المعتمدين على العقل، والقميين الذين اعتمدوا على الحديث، وخرج لنا بمدرسة متوسطة شاملة جامعة بين العقل والحديث. PageV0MP008
وتبلورت من تلك المدرسة كبرى ألا وهي مدرسة الشيخ الطوسي الذي يعد مجددا للمذهب ورافعا لراية الاسلام، حيث كان متبحرا في فنون المعرفة وملما بفقه المذاهب الإسلامية، عارفا به ويشهد لذلك كتابه القيم " مسائل الخلاف ".
وجاء من بعده تلامذته المتأثرون بأفكاره وآراءه، والذين لم يستطيعوا غالبا في صياغة تأسيس جديد أو مستقل في الفقه والأصول يتجاوزوا به مدرسة الشيخ حتى ظهور ابن إدريس الذي استطاع بمناقشة الكثير من آراء الشيخ أن يحرك الأجواء العلمية التي سكنت إلى آراء الشيخ.
هذا وكان الفقه الشيعي - في هذه المرحلة وحتى عصر العلامة الحلي وما بعده - يدرس جنبا إلى جنب مع فقه بقية المذاهب. ويظهر ذلك جليا في الكثير من كتب القدماء كالغنية لابن زهرة وتذكره الفقهاء ومنتهى المطلب للعلامة الحلي.
وكان هناك اتجاه آخر هو الابتعاد عن الغور في المسائل الخلافية، والخوض في الأبحاث الفقهية عند العامة، بل تهدف التمحض بالفقه الإمامي دون غيره كالمحقق الآبي في كتابه كشف الرموز حيث خصص كتابه للفقه الشيعي، ومنح آراء علماء الفقه الإمامي أهمية خاصة. وكذلك فخر المحققين في كتابه إيضاح الفوائد الذي ينقل الفتاوى والاستدلالات الفقهية الشيعية فقط.
* * * بعد أفول نجم معهد بغداد العلمي وظهور الجامعة العلمية الكبرى في النجف الأشرف - التي كنا وما نزال ندين بالفضل لها - ومن ثم معهد الحلة الفيحاء بأعلامها ومفكريها وفقهائها... بدأ يظهر اسم معهد علمي آخر يضاهي هذه المعاهد آنذاك - ألا وهو معهد جبل عامل الذي أغدق على الطائفة الشئ الكثير وراوي الفقه الشيعي ما يعجز القلم عن ذكره. PageV0MP009
معهد جبل عامل:
لجبل عامل دور مهم في الولاء لآل البيت عليهم السلام فقد بذر بذرة الولاء الطاهرة في هذه التربة الخصبة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري - رضوان الله عليه - لما نفي إلى الشام في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وإلى الآن يوجد في جبل عامل مقامان ينسبان لهذا الصحابي الجليل، أحدهما في قرية الصرفنة على ساحل البحر الأبيض، والآخر في مخاليس الجبل في الجهة الجنوبية الشرقية من جبل من جبل عامل على رابية تطل على الأردن، ولا يزال هذان المسجدان باسمه (رضوان الله عليه) في هاتين القريتين.
ثم نمت هذه البذرة المباركة القبائل الموالية للإمام علي عليه السلام التي دخلت مع جيوش الفتح، واستقرت في جبل عامل، أمثال الهمدانيين وخزاعة التي منها الحرافشة.
وكان الجبل - بسبب موقعه الجغرافي - نقطة الوصل بين بلاد الشيعة في العراق وإيران ونقطة الإشعاع للولاء لآل البيت عليهم السلام في البلاد البعيدة عن العراق وإيران، مثل مصر والشام وما والاها.
وكان لنوابغ هذا الجبل من الشيعة أثر في الدراسات الإسلامية في البلاد المجاورة للجبل، فإن التاريخ يحدثنا أن الأوزاعي الذي درس في كرك نوح يبدو متأثرا بطريقة الشيعة في عن أهل البيت عليهم السلام علما بأن علماء كرك نوح على طول التاريخ كانوا شيعة.
والمستقرئ للتاريخ الفقهي لهذا المعهد لا بد أن يتوقف عند اسمين كان لهما شأن كبير في تطوير الدراسات الفقهية عموما، واستطاعا أن يؤسسا مدرستين فقهيتين رسمت كل واحدة منهما مستقبل الدراسات الفقهية لعقود طويلة من PageV0MP010
الزمن الأول منهما هو محمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول، والثاني الشيخ علي بن الحسين بن عبد العال المعروف بالمحقق الكركي.
1 - مدرسة الشهيد الأول:
لقد ظهر مما سبق أن البيئة التي ينشأ فيها الفرد ويتلقى أفكاره وثقافته الأولية لها أثرها الفعال في سائر أطوار حياته، ولها فعلها القوى في صياغة شخصيته وبلورة أفكاره وصقل مواهبه.
ومهما كانت قابلية الانسان فريدة، ونبوغه عاليا، فإن البيئة تؤثر فيه وتعطيه بقدر ما تأخذ منه، فيندمج بها فكريا ويتأثر بها عاطفيا.
ونحن إذا أردنا دراسة الشهيد الأول، فلا بد من دراسة - ولو إجمالية - للبيئة التي نشأ فيها الشهيد، والأبعاد التي أثرت في تكوين شخصيته وأفكاره.
يقول الشيخ الحر العاملي: إن علماء الشيعة في جبل عامل يبلغون نحو الخمس من علماء الشيعة في جميع الأقطار مع أن بلادهم أقل من عشر عشر بلاد الشيعة.
ففي هذه البيئة الزاخرة بالعطاء العلمي، والمليئة بالعلم والعلماء، فتح الشهيد عينيه ليحضر مجالس العلماء وندوات الأدباء، وليسعى إلى المساجد دارسا متعبدا، ويدرس في تلك المدارس.. ثم يأبى عليه ذكاؤه الوقاد إلا أن يطلب العلم في أرض الله الواسعة، ليعود إلى بلاده فيكون منهلا صافيا يرتحل إليه العلماء من كل حدب وصوب للارتواء من نمير علوم أهل البيت عليهم السلام التي وقف لها الشهيد عمره.
وكان والده (جمال الدين مكي) يحثه ويشجعه دوما على المضي في دراسته حتى ينال أعلى المراتب العلمية. PageV0MP011
وكانت المجالس العامرة في جبل عامل وفي جزين وفي بيته بالذات مدرسة حرة ومجالا واسعا لإبداء الرأي، وللمناقشات الفكرية التي ثمرتها تنمية القابليات.
ساعدت هذه العوامل مجتمعة على تفوق الشهيد على أقرانه وبشكل ملحوظ.
لقد كان الشهيد - رحمه الله - من الرحالين في طلب العلم، فطاف في كثير من البلدان الإسلامية كمكة المكرمة والمدينة المنورة ومصر وبيت المقدس ودمشق وبغداد.
وكان في كل مكان يحل فيه ينهل من دروس علمائه، فقد روى - فضلا عن علماء الشيعة - عن جمع من علماء أهل السنة، فقال في إجازته لابن الخازن:
إني أروي عن نحو أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام.
وهذا النص دليل واضح على أن الشهيد قد جمع علوم الشيعة والسنة في الحديث والفقه وبقية العلوم الإسلامية، وكان من جراء ذلك تبحره في علوم المذاهب الإسلامية، وتدريسه ومناقشته لكل المذاهب.
وبالرغم من قولنا بالتمايز بين معهدي الحلة الفيحاء، والجبل الأشم، فإن معالم تأثير الأول على الثاني واضح، لسبقه الزمني أولا ولقوة من يمثله ثانيا، ولأن الفكر الواحد مهما علمنا على تحقيبه زمنيا أو فكريا تتصل حلقاته من جوانب أخرى ثالثا. لذا فإن الشهيد الذي كان يعتبر ثمرة طيبة لمدرسة الحلة استطاع أن يؤسس مدرسة فقهية في جبل عامل ها خصائصها الفكرية والبيانية والمنهجية المميزة.
فقد كان لهذه المدرسة الفضل الكبير في تنقيح عبارات الفقه وإخراجها من الجمود السابق، وذلك بحكم كون مؤسس هذه المدرسة من الشعراء الأدباء. PageV0MP012
وكان لها الفضل أيضا في التنسيق الفني الجيد، والتنظيم الرائع لفصول الفقه مع دقة متناهية في العبارات.
وقد أولت هذه المدرسة الفقه الشيعي اهتماما خاصا، فبعد أن كان علماؤنا يبحثون في كتبهم الآراء الشيعية والسنية انصرفوا في هذا الدور إلى بحث أقوال فقهاء الشيعة فقط، والتبحر في فحصها ونقدها وتقويتها.
وكان من نتاج ذلك كتب فقهية مهمة معروفة بعمق الفكرة ودقة المطلب وروعة البيان ومن أهمها: الذكرى، واللمعة الدمشقية، والدروس الشرعية، والبيان، وشرح نكت الإرشاد (غاية المراد) والقواعد الفقهية وغيرها.
وبذلك تمكن الشهيد رحمه الله من وضع اللبنة الأساسية لمدرسته العلمية في جبل عامل وليكون رائد النهضة الفقهية في زمانه.
الشهيد الأول وحكومة سربداران إن نشاط الشهيد الأول الواسع لم يقتصر على قريته جزين ولا جبل عامل وإنما تعداه إلى دمشق حيث صرف الشهيد جزء كبيرا من عمره الشريف في دمشق.
ولسعة اطلاعه على المذاهب الإسلامية كلها فقد أسرع الناس إلى مجلسه للدراسة عنده والاستماع لمواعظه، ففرض لنفسه وجودا كبيرا في مجتمع دمشق بحيث امتد تأثيره إلى الحكام والسلاطين فكان يجتمع بهم ويسدي لهم النصح والتوجيه. وأما بيته فكان ناديا علميا يعج بالزوار من كبار العلماء والفضلاء والأدباء وملجأ لكل المسلمين - شيعة وسنة -.
وكان الشيعة في كل أرجاء المعمورة يتشوقون لزيارة أو يقوم بزيارتهم خصوصا بلاد فارس والري وخراسان، ولكن لم يكن بوسعة إجابة طلبهم والسفر PageV0MP013
إلى بلادهم.
وكانت حكومة سربداران في خراسان على صلة وثيقة بالشهيد خصوصا في أيام آخر ملوكها علي بن مؤيد الذي كانت له مراسلات مع الشهيد أيام كان الشهيد في العراق، واستمرت العلاقة بينهما في جزين ودمشق.
وكان الشهيد يروم السفر إلى خراسان ليكون مرجع الشيعة فيها استجابة لالتماس علي بن مؤيد، ولكن الظروف السياسية - آنذاك - في دمشق حاصرت الشهيد وحالت بينه وبين هذا السفر.
فاكتفى الشهيد بإرسال كتابه القيم، اللمعة الدمشقية ليكون دستورا للبلاد بناء على طلب من حاكم خراسان، وقد جمع فيه أبواب الفقه مع الاختصار وروعة البيان، وتمكن من تأليفه في سبعة أيام فقط ولم تحت يديه من كتب الفقه غير كتاب المختصر النافع للمحقق الحلي. وهذا يدل على مدى تبحره في هذا الفن واستحضاره لأمهات المسائل وفروعها.
ولما أكمل الكتاب دفعه إلى الشيخ محمد الآوي وزير علي بن المؤيد وطلب منه الإسراع في إيصال الكتاب إلى حاكم خراسان ولشدة حرص الوزير على الكتاب لم يستنسخه إلا الأوحدي من طلبة الشهيد.
وكانت حياة مؤسس مدرسة جبل عامل غنية بالفضل، زاخرة بالعلم، وتوجت بالشهادة.
شهادته:
في الوقت الذي كان الشهيد - رحمه الله - يسعى لردم الصدع بين الشيعة والسنة، ظهر فجأة شخص يسمى محمد اليالوشي - ويقال إنه من تلامذة الشهيد - PageV0MP014
داعيا إلى مذهب جديد هدفه بث روح الطائفية والتفريق بين المسلمين، وقد تمكن الشهيد من القضاء على هذه الفتنة في مهدها حينما أخبر حكومة دمشق بالأمر فجهزت جيشا قضى على هذه الفتنة مزق شمل أتباع اليالوشي.
ولكن رجلين من أتباع اليالوشي هما يوسف بن يحيى وتقي الدين الجبلي حقدا على الشهيد وأخذا بالوشاية به لدى حكام دمشق، فألقي القبض عليه، فأفرج عنه بعد حين واستمر في أداء دوره الرسالي لا تأخذه في الله لومة لائم ويصدع بكلمة الحق مهما كانت الظروف.
هذا ولم يستحوذ الجانب الفقهي - الفكري على كامل شخصية الشهيد بل كانت تتملك هذه الشخصية أبعاد اجتماعية وسياسية مختلفة تكاملت فيها بينها لتصوغ شخصية ذات حضور قوي ومؤثر في مجريات الأمور العامة، فقد كان عمر الشهيد سلسلة متصلة الحلقات من الكفاح والجهاد لخدمة المسلمين، وإشاعة العلم والمعرفة بينهم، وبث روح الأخوة بين طائفتي المسلمين الكبيرتين ولذا فقد اجتمعت الطائفتان على حبه وانتهال العلم من معينه، وأما من الناحية السياسية فقد كان (بيدمر) حاكم دمشق يهاب الشهيد ويخشاه.
ولكن وعاظ السلاطين الذين لا يروق لهم أن يروا الشهيد بهذه المنزلة كانوا يتحينون الفرص للإيقاع به. ومن أولئك الأشخاص رجل يدعى برهان الدين بن جماعة الذي عابه بعض علماء السنة بقلة العلم، لكنه استطاع أن ينكل بهم وبكل من يقف في طريقه.
فقد اصطدم ابن جماعة بجمع من الأعلام منهم زين الدين القرشي وشهاب الدين الحسباني وألقاهما في السجن عدة سنوات، فخافه الطلاب والفقهاء.
وقد اجتمع يوما بالشهيد في مجلس ضم حشدا من العلماء وألقيت مسألة فقهية عجز عن إيضاحها فعز عليه ذلك، وأراد انتقاص الشهيد فقال: إني أجد PageV0MP015
حسا من وراء الدواة، ولا أفهم ما يكون معناه، تعريضا بنحافة جسم الشهيد رحمه الله.
فأجابه الشهيد على الفور: نعم، ابن الواحد لا يكون أعظم من هذا.
فخجل ابن جماعة وسكت، ولكنه أضمرها في نفسه، وأخذ يخطط للإيقاع بالشهيد.
واجتمع تخطيط ابن جماعة مع تخطيط التباع اليالوش، وكثرت وشاياتهم بالشهيد عند (بيدمر) حاكم الشام، وكان لهم ما أرادوا، فألقوا القبض على الشهيد، وحبس في مكان مظلم، ولما كانوا خائفين من سخط الطائفين عليهم قرروا الإسراع في الحكم عليه.
فقام أتباع اليالوش بتنظيم عريضة يشنعون فيها على الشهيد ويتهمونه بما هو منه برئ، ووقعها وشهد عليها سبعون رجلا، وأضيفت إليها شهادة ألف رجل من أتباع ابن جماعة وقدمت إلى قاضي المالكية، وهدد ابن جماعة القاضي المالكي بالعزل إن لم يحكم على الشهيد.
وعقد مجلس القضاء وحضره الملك بيدمر والقضاة وجمع من الناس، والشهيد بين أيديهم فنسبوا إليه التهم المذكورة في العريضة فأنكرها كلها ولكنه لم يقبل منه، وقيل له: قد ثبت ذلك شرعا وحكم الحاكم لا ينقض.
فقال الشهيد: الغائب على حجته، فإن أتى بما ينقض الحكم جاز نقضه وإلا فلا، وها أنا أطعن بكل شهادات الشهود، ولي على كل واحد حجة بينة، ولم يسمع منه ذلك، فقام القاضي المالكي، وتوضأ وصلى ركعتين ثم قال: قد حكمت بإهراق دمه.
وقد ظهر الحقد الدفين جليا واضحا بعد إعدام الشهيد، فإن الذين حكموا بإعدامه كشفوا عن سوء سريرتهم وخبث نفوسهم، فقد صلبوه ثم رموه بالحجارة ثم أحرقوا جسده. PageV0MP016
ولو كانوا يدعون أنهم يريدون الخلاص منه لكونه مرتدا أو فاعلا لإحدى التهم التي نسبوها إليه، لاكتفوا بإعدامه، ولم يتجاوزه بما لا يقره شرع ولا عقل، ولكنهم كانوا حاقدين كاذبين خاسرين في الدنيا والآخرة.
رحم الله الشهيد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
* * * هذا وقد أنجبت مدرسة الشهيد عددا من كبار الأعلام والفقهاء منهم:
أحمد بن معروف بابن المتوج البحراني (1).
والفاضل المقداد عبد الله السيوري الحلي (2).
PageV0MP017
وأحمد بن محمد بن فهد الحلي (1). وغيرهم.
هذا ويعد الشهيد الثاني المتم والمكمل لهذه المدرسة الفقهية الكبرى، وتمكن بفضل خبرته العالية بالمذاهب الإسلامية أن يسافر إلى دمشق ومصر للأخذ من علمائها، فحضر أبحاثهم وتداول معهم في أمهات المسائل العلمية.
وكان هدفه الإلمام العميق بالمباني الفقهية والأصولية عند المذاهب.
وقد أثنى على جل الأعلام الذين حضر عندهم، وبهذا يتجلى أن الشهيد لم تكن في قلبه حزازة على مخالفيه في المذهب بل كان يحبهم ويحترمهم ويؤكد على لم الشمل وجمع الكلمة.
وهذا الأدب السامي كان له أثر كبير في نفوس أساتذته ومعاشريه.
وقد بذل الشهيد الثاني علمه لخدمة الدين والمذهب، ومن الأمور التي حققها في النجف هو أمر القبلة، فقد كان الشهيد يرى أن القبلة في العراق لا بد
PageV0MP018
أن تكون منحرفة قليلا وقدر قدر انحرافها على ما أدى إليه اجتهاده مخالفا بذلك كل الناس.
وقد أذعن له علماء عصره شخص واحد خالفه في ذلك ولم يزره كما زاره بقية العلماء... حكى السيد الخوانساري " أن هذا الرجل رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه، وأنه دخل إلى الحضرة العلوية المشرفة وصلى بالجماعة على السمت الذي صلى عليه الشهيد منحرفا لانحرافه، فانحرف معه أناس وتخلف عنه آخرون فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله) من الصلاة التفت إلى الجماعة وقال: كل من صلى ولم ينحرف كما انحرفت فصلاته باطلة " (1).
والذي يمعن النظر في كتب الشهيد (قدس سره) يتجلى له نبوغا وعبقرية خاصة فهو يكتب لمستويات مختلفة المسائل من الأمة، فمرة تراه يكتب لأكابر العلماء والفقهاء وينافسهم في مختلف المسائل ويخرج منها بجبين وضاح. وأخرى لعامة الناس بما ينفعهم ويبصرهم بأمور دينهم ودنياهم فيكتب في أخلاق وفي التربية وفي....
يقول صاحب الروضات عند ذكره لكتاب مسالك الأفهام: ويقال إنه صنف ذلك الكتاب أيضا في مدة تسعة أشهر، والله يعلم أن الكاتب المؤجر نفسه لمحض الكتابة يصعب عليه مثل ذلك غالبا إلا أن التأييد من عند الله.
ويؤيد صحة هذا القول ما نقله صاحب حدائق المقربين عن جماعة من العلماء أنه ألف المسالك في زمان قليل، وكذلك كتابه شرح اللمعة فقد صنفه في عدة أشهر مع أنه كتاب تصنع وتجويد.
ونقل صاحب أمل الآمل عن بعض ثقاته أن الشهيد خلف ألفي كتاب منها مائتا كتاب بخطه الشريف من مؤلفاته وغيرها.
PageV0MP019
وذكر الشيخ أسد الله الكاظمي في مقدمة المقابيس: أن من جملة كرامات الشهيد أنه يكتب بغمسة واحدة في المداد عشرين أو ثلاثين سطرا. وربما قيل أربعين أو ثمانين.
نعم إن نجم الشهيد قد تلألأ حتى ملأ الدنيا نورا ، وصار مهوى أفئدة الناس، فتوجه إليه أبناء السنة - فضلا عن الشيعة - ليدرسوا على يديه، وأقر له البعيد والقريب بطول الباع وسعة الاطلاع وهو لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره.
وهذه الشخصية النزيهة الخيرة التي كان كل همها التأليف بين المسلمين وحب الخير لكل الناس لم تكن مورد قبول المنافقين والفاسقين، كما لم يكن الشهيد الأول مع عظمته وجلالة قدرة محبوبا عندهم.
فكادوا له كيدا حتى استشهد وهو حزين على هذه الأمة التي يدير أمورها المنافقون والجهلاء.
فظهر مما سلف أن مدرسة جبل عامل كانت تقوم بثلاث خطوات مهمة في آن واحد:
1 - الاتصال بمراكز الشيعة في العراق وإيران.
2 - الإشعاع الفكري للبلدان العربية المجاورة لها بحكم موقعها الجغرافي.
3 - حفظ وتطوير العلوم الشيعية من فقه وأصول وغيرهما.
* * * مدرسة المحقق الكركي:
من المدارس الكبرى التي جادت بها مدرسة جبل عامل الأصلية هي مدرسة المحقق الكركي. PageV0MP020
نشأ الشيخ الكركي كما ينشأ أمثاله من النوابغ محبا للدرس وكسب العلم ولكن طموح الشيخ ونبوغه وتعطشه لطلب العلم، حدا به إلى التجوال في مختلف البلدان لطلب العلم فرحل إلى مصر لدراسة فقه المذاهب الإسلامية فدرس على كبار علمائها وحصل على إجازات من شيوخها.
وقد خفيت علينا أطوار حياة الشيخ في هذه الفترة، فلم نعرف مراحل دراسته إلا من إجازاته لطلابه ومنها إجازته للمولى برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن زين الدين أبي الحسن على الخانيساري الأصفهاني.
وسافر عام 909 هجرية إلى النجف الأشرف معدن علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وحاضرة العالم الشيعي، وأخذ ينهل من كبار أعلامها حتى طار صيته في الآفاق وصار وحيد عصره وفريد دهره.
كان الكركي نابغة بحاثة يطلب المزيد من العلم، ويزاول التطوير والتجديد شأن من سبقه من كبار العلماء.
وفي حياة المحقق الكركي العلمية والعلمية يستوقفنا أمران:
1 - تطويره وتجديده في الفقه الشيعي.
2 - وضعه للأسس الشرعية لدولة إيران الفتية.
أما في الجانب الأول... فقد تميز المحقق الكركي عمن سبقه بأن مبانيه قوية واستدلالاته متينة رصينة واحتجاجاته مفحمة مسكتة، وكان معروفا بعمق المطالب وبساطة الأسلوب، ومن أثره أن قيل:... إن الاستدلالات الفقهية عند من سبقة لم تكن بالمستوى المطلوب، وهذا بلا شك نابع من قوة أثره على معاصريه ومن بعده.
وخلف لنا عدة كتب هي من عيون المؤلفات منها كتابه القيم جامع المقاصد، الذي يعد مفخرة علمية من تلك المفاخر الكثر التي يعتز بها الشيعة فقد حوى من قوة الاستدلال وعمق المطلب ما يبهر العلماء، بحيث عول عليه PageV0MP021
أساطين الفقهاء الذين جاؤوا بعده في استنباط الحكم الشرعي.
فعن صاحب الجواهر قوله: إن من كان عنده جامع المقاصد والوسائل والجواهر فلا يحتاج إلى كتاب للخروج عن عهدة الفحص الواجب على الفقيه في آحاد المسائل الفرعية (1).
ونقل عن صاحب العروة قوله: إنه يكفي للمجتهد في استنباطه للأحكام أن يكون عنده كتاب جامع المقاصد والوسائل والمستند للنراقي.
وهاتان الشهادتان - وكثير أمثالها - من أرقى الأوسمة التي يتحلى بها هذا الكتاب العظيم ومؤلفه الكبير.
وفي الحقيقة فإن الكتاب شاهد بنفسه على قيمته العليا، وبذلك صار طلبة الفقيه ومنية المجتهد.
* * * وأما أثره في الدولة الصفوية فإنه - رحمه الله - ترك بلاده - على مكانته السامية فيها - وهاجر إلى إيران بعد أن أقرت المذهب الإمامي مذهبا رسميا للدولة فوجدت فيه المنقذ لها من التشتت والتمزق.
وكان هدفه الخدمة الصادقة لآل البيت عليهم السلام بنشر مذهبهم وتربية مواليهم، وكان التشيع في إيران له أرضيته الخصبة منذ القديم فرأى المحقق أن الفرصة سانحة لبث علمه عند من هم أحوج إليه فهاجر إليها وتولى المنصب اللائق به وهو شيخوخة الاسلام في إيران.
ولما كان جبل عامل - بلد الشيخ - يعج بالعلماء والفقهاء، فقد رغبهم الشيخ في الهجرة إلى إيران لتقوية روح التشيع فيها ونشره وتثبيته في أكثر نواحيها، فهاجر من بلدته فقط ثلاثون عالما إلى إيران وتولوا مناصب القضاء
PageV0MP022
وصلاة الجمعة وغيرها، وكانوا مصابيح هدى ونجوم اقتداء.
ومن الأعمال المهمة التي قام بها الشيخ، تأسيس المدارس لتخريج العلماء الذين يقومون بكفاية هذا البلد الواسع من أئمة وقضاة ووعاظ ومبلغين.
وعين في كل بلد وقرية عالما يعلمهم أمور دينهم، ويؤمهم في الصلاة، ونصب نفسه لتعليم رجال الدولة أمثال الأمير جعفر النيسابوري وزير الشاه.
ولما تولى الشاة طهماسب السلطنة في إيران قرب المحقق وبجلة وعظمة، وأصدر منشورا إلى سائر موظفيه في الدولة بأن من يخالف حكمه سيؤدب بأشد العقوبات (1).
وبهذا تسنى للشيخ أن يكون باعث النهضة الشيعية في إيران ومجدد المذهب، وواضع الأسس الشرعية الدستورية لدولة إيران الفتية.
وقد كان المحقق يسعى للحفاظ على وحدة المسلمين وجمع شملهم وتوحيد كلمتهم، ويأمل أن يكون ذلك بالتفاهم العلمي والبرهان السديد، وكان يعارض الضغط السياسي مهما كان، ويبدو ذلك واضحا في بعض المناحي السياسية للدولة الصفوية.
كان بين المحقق والدولة علاقة تأثيرية متبادلة، فكما أرسى المبادئ الشرعية والدستورية للدولة الفتية، كانت أجواء الحكم والمسائل المستحدثة فيها تحثه على الخوض في تحقيق مسائل وأبحاث فقهية لم يعترض السابقون لها لعدم ابتلاؤهم بها فكانت أبحاثه في حدود اختيارات الفقيه وصلاة الجمعة والخراج وغيرها من المسائل.
PageV0MP023
وقد تجلى بحثه لهذه الأمور في كتبه كجامع المقاصد 7 وتعليق الإرشاد، وفوائد الشرائع وغيرها (1).
* * * * كما وقد تأثر بأفكاره وآراءه جمع كثير من الفقهاء فكان رائد مدرسة لها أتباعها من كبار العلماء ومن جلتهم:
1 - حسين بن عبد الصمد الجبعي العالمي (- 984 هجرية) مؤلف العقد الطهماسبي (2). 2 - عبد العال بن علي بن عبد العالي الكركي (3) (- 993 ه).
PageV0MP024
3 - بهاء الدين محمد بن حسين بن عبد الصمد العاملي (الشيخ البهائي) (- 1030) مؤلف مشرق الشمسين وجامع عباسي، والحبل المتين والاثني عشريات (1). المير داماد محمد باقر بن شمس محمد الاسترآبادي (2) (- 1040 ه).
PageV0MP025
مؤلف شارع النجاة وغيرهم كثيرون.
* * * هذا وإن لجبل عامل من التراث العلمي الضخم والشخصيات الثقافية البارزة والرموز العلمية الكبرى ما يشار لها بالبنان، ومن أهم تلك الوجوه العلمية التي أروت الطائفة من علمها الشئ الكثير هو المحدث الكبير الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي وما كتابه العظيم وسائل الشيعة إلا إحدى تلكم المفاخر الكبرى النابعة من صفاء وخلوص نية مؤلفه العظيم.
كما وأن لها من العلماء الأفذاذ الذين - وإن لم يكن مدرسة علمية خاصة بهم - كان لهم دور حساس وهام في سير عجلة الحركة العلمية إلى الإمام كالسيد محمد العاملي مؤلف كتاب المدارك الأحكام وخاله وشريكه في الدرس الشيخ حسن مؤلف كتاب معالم الدين منتقى الجمان. PageV0MP026
فإنهما كانا محسوبين على مدرسة المقدس الأردبيلي الذي كان يعتمد في استنباطه للمسائل على ما يتوصل إليه فكره ويراه نظره السديد من دون الغور في استدلالات الفقهاء الآخرين.
* * * PageV0MP027
ترجمة المؤلف هو السيد السند والركن المعتمد قدوة المحققين العالم اللوذعي والأديب الألمعي، فقيه أهل بيت العصمة والطهارة، السيد شمس الدين محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي.
ولادته:
ولد المترجم له عام 946 هجرية من أبوين صالحين تقيين، عارفين بالأحكام الشرعية، فوالده العالم الفاضل السيد علي بن الحسين الموسوي العاملي أحد أعلام الطائفة في زمانه، وأما والدته فهي بنت وحيد عصره وفريد دهره الشيخ زين الدين العاملي الشهيد الثاني قدس الله ألواحهم الزاكية.
أسرته:
قال صاحب كتاب المقامع في مفتتح شرحه كتاب المدارك:
وقد تزوج جده لأمه الشهيد الثاني بأم أبيه علي، فأولدها المدقق الشيخ حسن المشهور بصاحب المعالم، ثم زوجة ابنته من غيرها، فأنجبت صاحب المدارك، فصار صاحب المعالم خاله وعمه (1).
ورده سيد الأعيان بأن الحق هو أن والده السيد على تزوج بنت الشهيد الثاني في حياته فأنجبت السيد محمد المذكور، ثم تزوج زوجة الشهيد الأخرى
PageV0MP028
بعد شهادته هي أم الشيخ حسن صاحب المعالم فأولدا السيد نور الدين عليا، فالسيد نور الدين أخو صاحب المدارك لأبيه، وأخو صاحب المعالم لأمه، وصاحب المدارك ابن أخت صاحب والمعالم أخو أخيه (1).
علما بأن صاحب الروضات قد رد صاحب المقامع سابقا بقوله: فكلام صاحب المقامع الموهم خلاف ذلك كما تراه عليل، فتأمل (2).
وكان والده السيد نور الدين علي بن الحسين من تلامذة الشهيد الثاني.
أما جده لأبيه السيد حسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي، فقد كان عالما فاضلا فقيها، عاصر الشهيد الثاني، وكان الشهيد الثاني صهره.
وأما جده لأمه الشهيد الثاني فهو من العلم والفضل والفقاهة لا يحتاج ذكره إلى بيان.
وأخوه لأبيه السيد نور الدين علي بن علي بن الحسين عالما أديبا شاعرا، له كتاب شرح المختصر النافع وغيره.
وخاله الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، وهو شريكه في الدرس، وقد كان عالما فاضلا، له كتب منها منتقى الجمان، ومعالم الدين.
وتبع على النهج أولادهم كذلك، فكانوا خير خلف لخير سلف، فولد للسيد المترجم السيد حسين عالم فاضل فقيه، سافر إلى خراسان فتولى شيخوخة الاسلام هناك، وكان أحد أساتذة الحوزة المبر زين في مدينة مشهد المقدسة، وقد قرأ على أبيه كتاب المدارك (3).
PageV0MP029
دراسته:
كان المترجم مجدا في التحصيل، وقد هيأ الله تعالى له الجو الصالح للدراسة، فكان شريكه في الدرس خاله العالم الرباني الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في أكثر أبحاثه وحضوره عند أعلام العلماء في ذلك الزمان.
فتتلمذ على أبيه السيد نور الدين على - صهر الشهيد الثاني -.
وعلى المولى الجليل الشيخ حسين بن عبد الصمد - والد الشيخ البهائي وعلى الشيخ أحمد بن حسن النباطي العاملي.
كما تولى السيد على الصائغ تعليم الشيخ حسن والسيد محمد العلوم التي استفادها من الشهيد الثاني من معقول ومنقول وفروع وأصول وعربية ورياضي، ولما انتقل السيد علي إلى رحمة الله ورد الفاضل الكامل مولانا عبد الله اليزدي تلك البلاد فقرءا عليه في المنطق والمطول وحاشية الخطائي وحاشيته عليهما وقرءا عنده تهذيب المنطق، وكان الشيخ ملا عبد الله يكتب عليه حاشية في تلك الأوقات وكان للسيد محمد وشريكه في الدرس الشيخ حسن طريقة في الدراية تعتبر فريدة نشرحها فيما يلي.
وعندما سافرا إلى العراق حضرا عند المولى المقدس أحمد الأردبيلي قدس الله روحه فقالا له: نحن ما يمكننا الإقامة مدة طويلة ونريد أن نقرأ عليك على وجه نذكره إن رأيت ذلك صلاحا، قال: ما هو؟ قالا: نحن نطالع وكل ما نفهمه ما نحتاج معه إلى تقرير بل نقرأ العبارة ولا نقف وما يحتاج إلى البحث والتقرير تتكلم فيه، فأعجبه ذلك وقرءا عنده عدة كتب في الأصول والمنطق والكلام وغيرها مثل شرح المختصر للعضدي وشرح الشمسية وشرح PageV0MP030
المطالع وغيرها وكان قدس الله روحه يكتب شرحا على الإرشاد ويعطيهما أجزاء منه ويقول: انظروا في عبارته وأصلحوا منها ما شئتم فإني أعلم أن بعض عباراته غير فصيحة، وكان جماعة من تلامذة ملا أحمد يقرأون عليه في شرح المختصر العضدي وقد مضى لهم مدة طويلة وبقي منه ما يقتضي صرف مدة طويلة أخرى حتى يتم، وهما إذا قرءا يتصفحان أوراقا حال القراءة من غير سؤال وبحث، وكان يظهر من تلامذة تبسم على وجه الاستهزاء بهما على هذا النحو من القراءة فلما عرف ذلك منهم تألم كثيرا وقال لهم عن قريب يتوجهون إلى بلادهم وتأتيكم مصنفاتهم وأنتم تقرؤون في شرح المختصر، وكانت إقامتهما مدة قليلة فلما رجعا صنف الشيخ حسن المعالم والمنتقى والسيد محمد المدارك ووصل بعض ذلك إلى العراق قبل وفاة ملا أحمد. فكان الشيخ حسن والسيد محمد شريكين في القراءة على المشايخ والرواية عنهم (1). مؤلفاته:
وقد ترك لنا المترجم - رحمه الله - آثارا قيمة نافعة على الرغم من أنه كان معروفا بقلة التصنيف وكثرة التحقيق، ومن أهم تلك المصنفات:
1 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام: وقد جعل المدارك بمنزلة التتمة للمسالك لأنه مختصر في العبادات ومطول في المعاملات، وسيأتي الكلام عنه مفصلا.
2 - حاشية على الاستبصار.
3 - حاشية على تهذيب الأحكام. 4 - حاشية على ألفية الشهيد: وكان فراغه من تأليفها ضحى نهار
PageV0MP031
الخميس الرابع والعشرين من شهر صفر سنة سبع وتسعين وتسعمائة في مشهد سيد الشهداء الحسين عليه السلام (1).
5 - نهاية المرام في شرح مختصر شرائع الاسلام: وجد منه كتاب النكاح إلى آخر النذر وفي تكملة أمل الآمل: عندي منه نسخة من أول النكاح إلى آخر النذر بخط تلميذه، والمخرج له من السواد إلى البياض، وفي آخره: تم المجلد الثالث من كتاب نهاية المرام في شرح مختصر شرائع الاسلام ضحى نهار الخميس 19 رجب 1007 هجرية، وقد فرغ من كتابته يوم الجمعة 20 رجب 1007 هجرية.
فكان - قدس سره - يكتب الكراسة فيقرؤها تلميذه عليه ويبيضها فتم التصنيف والتبييض في شهر واحد. (2).
6 - حواشي على خلاصة العلامة نقل السيد محمد حيدر العاملي المكي في كتابه " نجح أسباب الأدب " من خطه ما كتبه السيد في ابن الغضائري وفي إبراهيم ين عمر الصنعاني (3).
7 - حاشية على الروضة البهية، لجده الشهيد الثاني، انفرد بذكره صاحب ريحانة الأدب (4).
وقد اشتهر أن له شرح شواهد الألفية لابن الناظم، وقد طبع في النجف سنة 1344 هجرية على أنه لصاحب المدارك، وهو خطأ فاحش، لأن الكتاب تصنيف السيد محمد بن علي بن محيي الدين الموسوي العاملي قاضي المشهد المقدس الرضوي.
PageV0MP032
وقد صرح في الأمل - في ترجمته - بنسبة الكتاب إليه، وأنه من تلامذة السيد بدر الدين الحسيني العاملي الأنصاري المدرس بطوس، ومن تلامذة السيد حسين ابن صاحب المدارك.
والذي أوقع الاشتباه قول المصنف في خطبة الكتاب: وبعد، فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن علي الموسوي، مقتصرا على ذلك.
فلاشتراكه في الاسم واسم الأب والنسب والبلاد وشهرة صاحب المدارك، ظن أنه هو ونسب الكتاب إليه مع أنه قد صرح في مقدمته بأنه صنفه باسم شيخه المذكور، وفي آخره بأنه فرغ منه في المشهد الرضوي سنة 1057 ه.
وصاحب المدارك لم يدخل المشهد الرضوي، ولا في مشايخه من اسمه السيد بدر الدين، وكانت وفاته قبل تأليف الكتاب بثمانية وأربعين سنة، ومؤلف الكتاب من تلامذة ابنه.
وقد اشتهر أيضا أن له شرح القصائد السبع العلويات لابن أبي الحديد، وقد طبع هذا الشرح في صيدا وإيران على أنه لصاحب المدارك، وهو اشتباه، وإنما هو للسيد محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي.
ولم يذكر أحد هذين الشرحين في مؤلفات صاحب المدارك لا صاحب الأمل ولا غيره (1).
أقوال العلماء فيه:
السيد العاملي أحد تلكم الشخصيات العلمية ذات الفكر الثاقب والرأي السديد والتي زودت الحوزة العلمية بالبحوث المبتكرة.
ولذلك فقد أثنى عليه كثير من الأعلام ممن عاصره وممن جاء بعده.
PageV0MP033
فالسيد مصطفى التفريشي يقول في معرض حديثه عنه:
سيد من ساداتنا، وشيخ من مشايخنا، وفقيه من فقهائنا رضي الله عنهم، مات عن قرب إلا أنه كان بالشام ولم يتفق لقائي إياه.
والحر العاملي يقول: كان عالما فاضلا متبحرا ماهرا، محققا مدققا زاهدا عابدا ورعا فقيها محدثا كاملا جامعا للفنون والعلوم، جليل القدر عظيم المنزلة.
وقال الحر أيضا: ولقد أحسن وأجاد في قلة التصنيف، وكثرة التحقيق، ورد أكثر الأشياء المشهورة بين المتأخرين في الأصول والفقه، كما فعله خاله الشيخ حسن.
وقال المحقق البحراني في لؤلؤته: أما السيد السند السيد محمد وخاله المحقق المدقق الشيخ حسن ففضلهما أشهر من أن يذكر.
وقد أثنى عليه غير هؤلاء كثيرون كالأفندي في رياض العلماء (1) والسيد الخونساري في روضات الجنات (2) والسيد الأمين في الأعيان (3).
وفاته:
انتقل السيد العاملي إلى جوار ربه الكريم في ليلة العاشر من شهر ربيع الأول سنة 1009 هجرية في قرية جبيع، عن عمر ناهز الثانية والستين.
ورثاه خاله ورفيقه الشيخ حسن بأبيات كتبت على قبره.
لهفي لرهن ضريح كان كالعلم * للجود والمجلد والمعروف والكرم PageV0MP034
قد كان شمسا يستضاء به * محمد ذو المزايا طاهر الشيم سقى ثراه وهناه الكرامة * والريحان والروح طرا بارئ النسم وكتب على قبره الآية المباركة * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) *.
وقد رثاه جماعة آخرون منهم:
تلميذه الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين العاملي فقال في رثائه:
صحبت الشجى ما دمت في العمر باقيا * وطلقت أيام الهنا واللياليا وعني تجافى ضعف عيشي كما غدا * يناظر مني الناظر السحب باكيا وقد قل عندي كل ما كنت واجدا * بفقد الذي أشجى الهدى والمواليا فتى زانه في الدهر فضل وسؤدد * إلى أن غدا فوق السماكين راقيا هو السيد المولى الذي تم بدره * فاضحي إلى نهج الكرامات هاديا وللفقه نوح يترك الصلد ذائبا * كما سال دمع الحق يحكي الفؤاديا وممن رثاه أيضا الشيخ نجيب الدين علي بن محمد.
وقيل في مادة تاريخ وفاته:
وابن علي سبط ذي المسالك بعد (نجاح) (جد ذو المدارك) 62 1009 وعدد لفظ (نجاح إشارة لمدة عمره الشريف وهي اثنتان وستون سنة، و (جد ذو المدارك) هو سنة وفاته.
* * * PageV0MP035
عود على بدء من الكتب التي نمقتها أيدي علمائنا السابقين رحمهم الله كتب حظيت بمقام الصدارة وقدر الله لها أن تستمر مشاعل نور - بعد مؤلفيها - تروي غلة طلبة العلوم وترشد الضالين إلى جادة الحق.
وقد حظيت هذه الكتب بالشروح والحواشي والتعليقات والاختصارات وحتى النظم.
وشرائع الاسلام للمحقق الحلي من أجود هذه الكتب، ويعتبر من أمتن المؤلفات الفقهية وأوسعها انتشارا، فقد صار مدارا لبحوث الدراسة في الحوزات العلمية قرونا متمادية من أيام تأليفه وحتى الآن.
وهو مورد اعتماد أساطين الفقهاء والمجتهدين.
وقد شرح هذا السفر الجليل أكثر من مائة علم من أعلام الطائفة ومن أهم تلك الشروح هي الموسوعة الفقهية الكبرى جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي.
مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام وأما كتاب مدارك الأحكام فهو من أحسن الكتب الاستدلالية كما عبر عنه الأفندي في رياضه (1) والخونساري في روضاته (2).
وقد خرج منه العبادات في ثلاث مجلدات، وكان فراغ مؤلفه منه سنة 998 هجرية.
وما زال علماؤنا وفقهاؤنا العظام منذ أيام تأليفه وإلى اليوم يعتمدون عليه
PageV0MP036
ويعدونه من أهم الكتب المعتمدة في نقل الأقوال.
ويمتاز هذا الكتاب بمتانة الاستدلال والاعتماد على الروايات المسلمة الاعتبار، ومن هذه الروايات يختار ما كانت دلالتها واضحة، وينتقي من الأدلة العقيلة ما كان متسالما عليه.
ومن مميزاته أيضا أنه ينقل الرواية بكاملها مع الدقة في نقلها، ولذا كان من الكتب المعتمدة في نقل الرواية.
وأما ما ذكره الشيخ البحراني في اللؤلؤة من قوله: إلا أنه (أي الشيخ حسن) مع السيد محمد قد سلكا في الأخبار مسلكا وعرا ونهجا منهجا عسرا، أما السيد محمد صاحب المدارك فإنه رد أكثر الأحاديث الأحاديث من الموثقات والضعاف باصطلاحه، وله فيها اضطراب كما لا يخفى على من راجع كتابه، فيما بين أن يردها تارة، وما بين أن يستدل بها أخرى وله أيضا في جملة من الرجال مثل إبراهيم بن هاشم ومسمع بن عبد الملك ونحوهما اضطراب عظيم، فيما بين أن يصف أخبارهم بالصحة تارة وبالحسن أخرى، وبين أن يطعن فيها ويردها، يدور في ذلك مدار غرضه في المقام، مع جملة من المواضع التي سلك فيها سبيل المجازفة، كما أوضحنا جميع ذلك مما لا يرتاب فيه المتأمل في شرحنا على كتاب المدارك الموسوم بتدارك المدارك وكتاب الحدائق الناضرة (1).
وفي كلامه - قدس سره - مواقع للنظر، فأما قوله " فإنه رد أكثر الأحاديث من الموثقات والضعاف باصطلاحه " فهو صحيح، لأن صاحب المدارك يرى ضعف ما يرويه غير الإمامي الاثني عشري، وقد صرح بذلك في موارد كثيرة من هذا الكتاب.
PageV0MP037
وأما قوله: " وله فيه اضطراب كما لا يخفى على من راجع كتابه فيما بين أن يردها تارة وبين أن يستدل بها أخرى " فهو غير صحيح، فإن الناظر في الكتاب لا يجد فيه اضطرابا، بل يراه - رحمه الله - يرد الرواية مرة ويستدل بها أخرى حسب مبناه هو وقد بينه. فقد كان يرد الرواية استدل بها على حكم إلزامي وانحصر الدليل بها، ويستدل بها إذا عمل بمضمونها الأصحاب فيكون دليله عمل الأصحاب لا الرواية ويجعلها شاهدا بعد ذكر الدليل الصحيح، ويستدل بها على المعاني اللغوية باعتبار أن الراوي من أهل اللسان.
فقد قال في مسألة نزح سبعين دلوا من البئر لو مات فيها انسان:
ومستنده رواية عمار الساباطي.... وفي طريقها جماعة من الفطحية. لكن ظاهر المعتبر اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها فإن تم فهو الحجة، وإلا فالتوقف في هذا الحكم محال.
والحق أن الكتاب غير مضطرب، وهو على مبنى مؤلفه سديد تام الاعتماد والمتانة.
علما بأن هناك حاشية قيمة على كتاب مدارك الأحكام للمحقق الكبير الوحيد البهبهاني، وستطبع في نهاية الكتاب إن شاء الله.
* * * PageV0MP038
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) في مدينة مشهد أن الموفقية التي حصلت عليها مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، وتشجيع العلماء لنا، كانا السبب الرئيسي في أن نسعى جادين جاهدين في توسيع عمل المؤسسة والاستفادة من الخبرات الموجودة عند فضلاء الحوزات العلمية والاستزادة من مناهل علومهم واستشارتهم في كل نصبوا إليه.
ومن تلك الأماكن التي توجهنا إليها هي مدينة الإمام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام، حيث حوزتها وطلبتها ومدرسوها.
فشمرنا ساعد الجد لتأسيس فرع للمؤسسة هناك، وبعد استشارة أفاضل الحوزة العلمية تمكنا من تهيئة كادر بمستوى المسؤولية، ولم تمض مدة قصيرة إلا وصات هذه الكوادر عارفة بأصول منهج التحقيق، قادرة على إبراز مؤلفات أعلام الشيعة بحلة معجبة من التحقيق والضبط.
وكان من ثمار هذه المؤسسة تحقيق كتب مهمة منها كتاب مستند الشيعة للمحقق النراقي، واستقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار للمحقق العاملي، ومدارك الأحكام للمحقق السيد محمد العاملي.
وكانت الثلة الطيبة من أعضاء تلك المؤسسة الفتية موفقة ولله الحمد.
ولا يفوتني هنا إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل والثناء الوافر لأخي العزيز سماحة حجة الاسلام السيد على الشهرستاني للجهود التي بذلها - ولا يزال - في سبيل تطوير هذه المؤسسة الفتية، وفقه الله وأجزل له من مواهبه.
* * * PageV0MP039
النسخ المخطوطة المعتمدة في تحقيق الكتاب اعتمدنا بالإضافة إلى النسخة الحجرية على أربع نسخ جيدة هي:
1 - نسخة المكتبة الرضوية المرقمة (8921) وهي الأصل الذي اعتمدنا عليه، ورمزنا لها ب (ق) في كتاب الطهارة، وعبرنا عنها في باقي الكتاب ب (الأصل)، كتبها محمد حسين بن سعد الدين الغفاري في يوم الأحد 10 ربيع الثاني سنة 1000 هجرية، وهي نسخة مقروءة على المصنف، وعليها خطه وإجازته لكاتبها، وهي مضبوطة من الناحية الإملائية والنحوية. والنسخة من بداية الكتاب إلى أول كتاب الحج.
2 - نسخة المكتبة الرضوية - أيضا - المرقمة (2556) وهي تلي النسخة المتقدمة في الاعتبار وقد رمزنا لها ب (ض) كتبت في يوم الثلاثاء 10 صفر الخير سنة 1006 هجرية، وهي جيدة الخط وعليها خط العلامة المجلسي.
والموجود منها من بحث صلاة الكسوف إلى نهاية الكتاب.
3 - نسخة مكتبة مجلس الشورى المرقمة (64525) وقد رمزنا لها ب (س) كتبت في يوم الاثنين 14 رجب سنة 1008 هجرية وناسخها السيد حسين بن علي ابن رين الدين الحسيني العاملي.
وهي تبدأ من أول الكتاب وتنتهي إلى آخر بحث صلاة العيد.
4 - نسخة مكتبة مجلس الشورى - أيضا - المرقمة (63276) ورمزنا لها ب (م) كتبت في يوم الخميس 7 ربيع الثاني سنة 1241 هجرية، قوبلت على نسخة أقدم منها وناسخها حسين بن علي الحسن الخوئي.
ملاحظة الناظر في كتاب مدارك الأحكام يرى بوضوح أن لكتاب المدارك PageV0MP040
نسختين تختلف إحداهما عن الأخرى، إحداهما النسخة التي عليها خط المصنف والأخرى النسخة المصححة وهي النسخة رقم (1) فإن المصنف قد صحح هذه النسخة عند قراءتها فشطب كثيرا من الجمل وأتيت غيرها في محلها، وأضاف جملا أخرى. ويظهر أن النسخة رقم (2) مطابقة للنسخة المصححة.
ولكن النسخة الثالثة والرابعة تختلفان، فكان همنا إثبات النسخة المصححة في المتن والإشارة إلى الاختلاف في الهامش.
منهجية التحقيق اتبعت في تحقيق هذا السفر القيم منهجية العمل الجماعي التي سار عليها العمل في مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) منذ تأسيسها.
فكانت خطوات التحقيق كالآتي:
1 - مقابلة النسخ الخطية والنسخة الحجرية، وكان ذلك على عاتق الإخوة الأماجد محمد الأنصاري وعلى الشامي.
2 - تخريج الروايات: ومهمتها استخراج النصوص الواردة في الكتاب وعزوها إلى مصادرها، وتكفل بهذه المهمة الأخ الفاضل عبد الرضا الروازق.
3 - استخراج الأقوال الفقهية - الشيعية والسنية - من مصادرها الأصلية وكانت على كاهل كل من حجج الاسلام الشيخ محمد صبحي والشيخ محمد على زين على والشيخ محمد حسين أميني والأستاذ عبد الحسين الحسون، والأخوة الأفاضل السيد عبد العزيز كريمي والسيد محمد الحسيني النيشابوري وعبود أحمد النجفي.
4 - تقويم النص ومهمتها إظهار نص صحيح للكاتب أقرب ما يكون لما تركه المؤلف. وقد اتبعت طريقة التلفيق بين النسخ - المشار إليها آنفا - بحيث يكون النص الصحيح في المتن وما عداه في الهامش. PageV0MP041
وقام بهذه المهمة حجج الاسلام الشيخ علي المرواريد والشيخ محسن قديري.
5 - تنظيم الهوامش وكتابتها.. وتكفل بها الأخ الماجد كريم الأنصاري وقد ساهم الأخ محمد الأنصاري في تنظيم بعض الأمور الفنية منه.
6 - مهمة المراجعة النهائية وتوحيد الجهود المبذولة لتحقيق هذا الكتاب وتصحيح ما زاغ عن البصر كانت على عاتق سماحة حجة الاسلام الشيخ عباس تبريزيان.
وختاما أبتهل إلى الله العلي أن يوفق العاملين في نشر تراث آل البيت عليهم السلام ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، آمين.
جواد الشهرستاني PageV0MP042
* صورة الورقة الأولى من النسخة الأولى المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام - مشهد. PageV0MP043
صورة الورقة الأخيرة من النسخة الأولى المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام - مشهد. PageV0MP044
* صورة الورقة الأولى من النسخة الثانية المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام - مشهد. PageV0MP045
* صورة الورقة الأولى من النسخة الثالثة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى - طهران. PageV0MP046
* صورة الورقة الأولى من النسخة الرابعة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى - طهران. PageV0MP047
* صورة الورقة الأولى من إجازة المؤلف لكاتب النسخة الأولى المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام - مشهد. PageV0MP048
مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام تأليف الفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي المتوفى سنة 1009 ه الجزء الأول تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
Página 1