El sentido de la vida: Una introducción muy corta
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
بدأ فرويد رحلته بالاعتقاد بأن معنى الحياة هو الرغبة، أو خدع اللاوعي خلال فترة اليقظة من حياتنا، وتوصل للاعتقاد بأن الموت هو معنى الحياة. ولكن هذا الادعاء يمكن أن يكون له عدة معان مختلفة. فهو يعني لدى فرويد نفسه أننا جميعا في النهاية عبيد لدى «ثاناتوس» أو غريزة الموت. ولكنه يمكن أن يعني أيضا أن الحياة التي لا تحوي شيئا، لدى الفرد الاستعداد للموت في سبيله، من غير المحتمل أن تكون مثمرة. أو يمكن أن يشير إلى أن الحياة في ظل الوعي بفنائيتنا يعني العيش بالواقعية والسخرية والمصداقية وإحساس تأنيبي بمحدوديتنا وضعفنا. وعلى هذا الصعيد على الأقل، فإن التمسك بإيماننا بأكثر ما هو حيواني فينا يعني العيش بمصداقية. فسوف نكون أقل ميلا لخوض مشروعات متغطرسة تجلب الأسى لنا وللآخرين. فالثقة اللاواعية في خلودنا هي مصدر جزء كبير من دمارنا.
ومن خلال التنبه المرير لفنائية الأشياء، سوف نتوخى الحذر من التشبث بها بشكل استحواذي. ومن خلال هذا الانفصال التمكيني، تتحسن قدرتنا على رؤية الأشياء على حقيقتها، وكذا الاستمتاع بها بشكل أكبر. وفي هذا الإطار، نجد أن الموت يدعم الحياة ويعززها، بدلا من تجريدها من القيمة. هذه ليست وصفة للاستمتاع باللحظة، ولكن العكس تماما. فالتلذذ المحموم بالاستمتاع باللحظة، وإمتاع النفس، والاحتفال بتناول نخب إضافي، والعيش وكأن الغد لن يأتي، إنما هو استراتيجية بائسة للتحايل على الموت تسعى بلا جدوى لخداعه وليس فهمه. وفي خضم بحثها المستعر عن اللذة، إنما تضفي جلالا على الموت الذي تحاول إنكاره. وعلى كل ما تتسم به هذه الرؤية من براعة وإتقان، فإنها تشاؤمية، بينما تقبل الموت يعد رؤية تفاؤلية.
إلى جانب ذلك، فإن الوعي بحدودنا - التي يبرزها الموت بشكل قاس لا يرحم - يعني أيضا الوعي بالطريقة التي نعتمد بها على الآخرين وطريقة تقييدهم لنا. فحين يعلق القديس بولس بأننا نموت في كل لحظة، فربما يكون جزء مما كان يدور بخلده هو حقيقة أننا لا يمكننا العيش بشكل جيد إلا بتكريس النفس لتلبية احتياجات الآخرين، فيما يعد نوعا من الموت الأصغر. وفي قيامنا بذلك، إنما نتدرب على ذلك النكران الأخير للذات الذي هو الموت ونتصوره قبل حدوثه. وبهذه الطريقة يكون الموت في إطار الاحتضار المتواصل للنفس هو مصدر الحياة الصالحة. وإذا كان ذلك يبدو نوعا من الخنوع ونكران الذات غير المقبول، فإن ذلك يعزى فقط لأننا ننسى أنه إذا كان الآخرون يفعلون ذلك أيضا، تكون المحصلة نوعا من الخدمات المتبادلة التي توفر السياق لكل نفس لكي تزدهر. والاسم التقليدي لهذا التبادل هو الحب.
غير أننا أيضا نموت في كل دقيقة بمعنى أكثر حرفية نوعا ما. فنحن نعيش بنوع من الإنكار المستديم، إذ نبطل موقفا بإلقاء أنفسنا داخل آخر. وهذا السمو الذاتي الدائم - الذي لا يتاح سوى للبشر - يعرف باسم التاريخ. غير أنه على مستوى التحليل النفسي يسمى الرغبة، وهو ما يعد أحد الأسباب التي تجعل الرغبة مرشحا مقبولا لمعنى الحياة. فالرغبة تطفو على السطح حين يكون هناك شيء مفقود. إنها مسألة عوز ونقص، تفرغ الحاضر من مضمونه من أجل نقلنا إلى مستقبل مفرغ بشكل مماثل. فمن ناحية، يعتبر الموت والرغبة خصمين؛ لأننا إذا توقفنا عن الرغبة، فسوف يتوقف التاريخ. ولكن من ناحية أخرى، فإن الرغبة - التي يعتبرها الفرويديون القوة الدافعة للحياة - تعكس في نقصها الداخلي الموت الذي ستقودنا إليه في النهاية. وفي هذا الإطار تكون الحياة أيضا توقعا مسبقا للموت؛ فالشيء الوحيد الذي يمنحنا القدرة على مواصلة الحياة هو أننا نحمل الموت في داخلنا.
شكل 4-3: الطريق إلى الخلود يبدأ من هنا. (© Mark Power/Magnum
وإذا كان الموت يبدو إجابة كئيبة للغاية للسؤال عن معنى الحياة، والرغبة فكرة شهوانية للغاية، فماذا عن التأمل الفكري؟ من أفلاطون وسبينوزا إلى الزعيم الديني المنتمي للمحافظين الجدد ليو شتراوس، كان لفكرة أن التأمل في حقيقة الوجود هو أنبل أهداف الإنسانية إغراؤها؛ لا سيما بين المفكرين. ومن اللطيف أن تشعر بأنك قد بلغت معنى الكون بمجرد الدخول إلى مكتبك بالجامعة كل صباح. يبدو الأمر كما لو كان يفترض بمصممي الأزياء - حين يسئلون عن معنى الحياة - أن يجيبوا: «بنطلون رائع بحق»، فيما ينبغي أن يقترح المزارعون المحصول الوفير كمعنى للحياة. حتى أرسطو، على كل اهتمامه بصور الحياة العملية، كان يعتقد أن هذا هو أسمى أشكال الإنجاز. غير أن فكرة أن معنى الحياة يكمن في تأمل معنى الحياة تبدو أشبه بالدوران في حلقة مفرغة. فهي تفترض أيضا أن معنى الحياة هو افتراض من نوع ما مثل «الأنا عبارة عن وهم»، أو «كل شيء مصنوع من لباب الخبز.» بعد ذلك قد يكون الحظ حليفا لنخبة صغيرة من الحكماء - الذين كرسوا حياتهم للتفكر في هذه الأمور - ويتوصلوا إلى حقيقة القضية أيا كانت. وتلك ليست القضية بالنسبة لأرسطو، الذي يعتبر مثل هذا التخمين - أو التأمل - هو نفسه نوعا من الممارسة؛ ولكنه خطر يمكن للقضية أن تجلبه.
ولكن إذا كان للحياة معنى، فإنه بالتأكيد ليس من هذا النوع التأملي. فمعنى الحياة ليس افتراضا بقدر ما هو ممارسة. إنه ليس حقيقة خفية، ولكنه «صورة» محددة من صور الحياة. ومن الممكن أن تصبح معلومة فقط خلال الحياة. ربما كان هذا هو ما يدور في ذهن فيتجنشتاين حين أشار في «الرسالة الفلسفية المنطقية» إلى «أننا نشعر أنه حتى لو وجدت جميع الأسئلة العلمية الممكنة إجابات لها، فإن مشكلات الحياة لم تعالج جميعا بعد. بالطبع لا يكون هناك حينها أية أسئلة متبقية، وتلك هي الإجابة بالضبط. فحل مشكلة الحياة يدرك في اختفاء هذه المشكلة» (6,52، 6,251).
ما المعنى الذي يمكننا استخلاصه من تلك المقولات الغامضة؟ إن فيتجنشتاين على الأرجح لا يقصد أن معنى الحياة هو مسألة زائفة، بل يقصد أنه مسألة زائفة فيما يتعلق بالفلسفة. لم يكن فيتجنشتاين يكن الكثير من الاحترام للفلسفة، والتي كان يتمنى أن يضع لها كتابه «الرسالة الفلسفية المنطقية» نهاية. فقد كان يعتقد أن جميع الأسئلة الحيوية تقع خارج إطار حدودها الصارمة. فليس معنى الحياة شيئا يمكن أن يقال في شكل افتراض واقعي؛ وقد كان هذا النوع من الافتراضات هو النوع المنطقي الوحيد بالنسبة لفيتجنشتاين في بداياته. ويمكننا أن نلمح شيئا من معنى الحياة حين ندرك أنه ليس من هذا النوع من الأشياء التي يمكن أن تمثل إجابة لسؤال ذي معنى على المستوى الفلسفي. إنه ليس «حلا» على الإطلاق. وما أن ندرك أنه يتجاوز حدود جميع مثل هذه الأسئلة، ندرك أن «هذه» هي إجابتنا.
إن كلمات فيتجنشتاين التي استشهدت بها فيها في موضع سابق في الكتاب - «الغموض لا يكمن في كيفية نشأة العالم، ولكن يكمن في وجوده أصلا» - ربما تعني أن بإمكاننا الحديث عن هذه الظروف أو تلك في العالم، ولكن ليس عن قيمة أو معنى العالم ككل . وهذا لا يعني أن فيتجنشتاين قد رفض هذا الحديث باعتباره لغوا فارغا، مثلما فعل الوضعيون المنطقيون. على العكس، فقد كان يعتقد أنه أهم بكثير من الحديث عن الظروف الواقعية. كل ما في الأمر أن اللغة لم تستطع تمثيل العالم ككل. ولكن على الرغم من عدم إمكانية التعبير لفظيا عن قيمة ومعنى العالم ككل، فقد كان بالإمكان إظهارهما. وتمثلت إحدى الطرق السلبية لإظهارهما في توضيح ما «لم» يكن بإمكان الفلسفة قوله.
إن معنى الحياة ليس حلا لمشكلة، ولكنه مسألة العيش بأسلوب معين. إنه ليس مسألة ميتافيزيقية، بل مسألة أخلاقية. إنه ليس شيئا منفصلا عن الحياة، ولكنه الشيء الذي يجعلها جديرة بأن تعاش؛ أي أنه يمثل سمة وعمقا ووفرة وقوة معينة للحياة. وفي هذا الإطار يكون معنى الحياة هو الحياة ذاتها ولكن بعد إدراكها بطريقة بعينها. ويشعر المتاجرون بمعنى الحياة بالإحباط بشكل عام نتيجة هذا الزعم، إذ لا يبدو غامضا وفخما كفاية. بل إنه يبدو عاديا ومفهوما أكثر من اللازم، أي إنه أكثر تنويرا بدرجة طفيفة من الإجابة «42». بل أكثر من الشعار المكتوب على القمصان القطنية الذي يقول: «ماذا لو كان الأمر كله يدور حول الهوكي كوكي؟» إنه يأخذ السؤال الخاص بمعنى الحياة من أيدي زمرة من الخبراء الجهابذة أو المتخصصين ويعيده إلى الوجود اليومي. وتلك هي نوعية السخافات التي أسسها متى في إنجيله، حيث يظهر عودة ابن الإنسان في مجده محاطا بالملائكة من أجل يوم الحساب. وعلى الرغم من هذه الصور المجازية الكونية الجاهزة، يتبين أن الخلاص قضية مملة بشكل مثير للحرج؛ إنه مسألة إطعام الجوعى، وتقديم الشراب للظمأى، والترحيب بالغرباء، وزيارة المساجين. إنه لا يحمل أي سحر أو عبير «ديني» مميز أيما كان؛ فبإمكان أي شخص أن يقوم به. فيتضح أن مفتاح الكون لا يكمن في إدراك مزلزل، ولكنه شيء يفعله الكثير من الناس على أية حال دون أدنى تفكير. إن الخلود لا يكمن في حبة رمل، ولكن في كوب من الماء. فالكون يقوم على مواساة المرضى والتسرية عنهم. وحين تسلك هذا النهج، فإنك تشارك في الحب الذي أنشأ النجوم. والعيش بهذه الطريقة لا يعني امتلاك حياة فحسب، بل امتلاكها بوفرة.
Página desconocida