El sentido de la vida: Una introducción muy corta
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
غير أن تحقيق الذات في رأي كارل ماركس - أحد الفلاسفة الأخلاقيين المنتمين لسلالة أرسطو - يشمل أيضا الاستماع لرباعية وترية، أو التلذذ بمذاق ثمرة خوخ مثلا. ربما كان «لإشباع الذات» رنين أقل قوة من «تحقيق الذات». فالسعادة هي مسألة إشباع للذات ، والتي لا يجب الخلط بينها وبين أيديولوجية الكشافة أو دوق إدنبرة المتعلقة برؤية الحياة كسلسلة من الحواجز يجب تخطيها وإنجازات يجب حصدها. فالإنجازات تكتسب معنى داخل السياق النوعي للحياة بأكملها، وليس (كما في أيديولوجية الحياة لدى متسلقي الجبال) كقمم منعزلة من بلوغ الأهداف.
إن الناس - بشكل عام - إما يشعرون بالرضا أو لا يشعرون به، وهم يعون تلك الحقيقة بصفة عامة. وبالتأكيد لا يمكن لأحد أن ينكر تأثير ما يعرف بالوعي الزائف هنا. فقد يتم خداع العبد ليعتقد أنه سعيد عندما يعكس سلوكه حقيقة أنه ليس كذلك. فنحن نملك موارد رائعة لتبرير تعاستنا وبؤسنا. ولكن على سبيل المثال حين يخبر نسبة 92٪ من الأيرلنديين - وهي نسبة مثيرة للدهشة - منظمي استطلاعات الرأي أنهم سعداء، لا يملك المرء شيئا سوى تصديقهم. صحيح أن الأيرلنديين من عادتهم إظهار الود والترحاب للغرباء، ومن ثم فقد يدعون السعادة لمجرد إشعار منظمي استطلاعات الرأي بالسعادة، ولكن لا يوجد سبب حقيقي يدعو لعدم تصديقهم. غير أنه فيما يتعلق بالسعادة العملية أو الأرسطية، تكون مخاطر خداع الذات أكثر حدة. فكيف لك أن تعرف أنك تعيش حياتك بأسلوب أخلاقي؟ لعل صديقا أو مراقبا خارجيا قد يكون حكما أكثر موثوقية في هذا الصدد من نفسك. وفي الواقع، قد يكون من بين الأسباب التي دفعت أرسطو لتأليف كتبه عن الأخلاق هو تصحيح إدراك الناس بشأن المفهوم الحقيقي للسعادة. ربما كان يفترض وجود قدر كبير من الوعي الزائف في هذا الصدد. وإلا فمن الصعب أن نعرف لما كان ينبغي أن ينصح بوجود هدف يسعى وراءه الرجال والنساء أجمع على أية حال.
وإذا كانت السعادة حالة ذهنية، فإنها إذن قد تعتمد على ظروف الشخص المادية. من الممكن أن تدعي أن بإمكانك أن تنعم بالسعادة على الرغم من تلك الظروف، وهي حالة ليست بعيدة عن حالة الفيلسوف باروخ سبينوزا أو الرواقيين القدماء. غير أنه من المستبعد إلى حد كبير أن يكون بإمكانك الشعور بالسعادة عند العيش في معسكر للاجئين مكتظ وغير صحي، بعد فقدان أطفالك مباشرة إثر كارثة طبيعية. غير أن ذلك يكون أكثر وضوحا بناء على إحدى النظريات الأرسطية للسعادة. فلا يمكنك أن تكون شجاعا وجديرا بالاحترام وسخيا ما لم تكن شخصا حر الإرادة بشكل معقول يعيش في ظروف سياسية تدعم هذه الفضائل. ولذلك يرى أرسطو أن الأخلاق والسياسة بينهما رباط وثيق. فالحياة الصالحة تتطلب حالة سياسية من نوع معين؛ وهي في رأيه حالة مزودة بقدر جيد من العبيد والنساء الخاضعات، للقيام بالأعمال والمهام الشاقة بينما تنطلق أنت سعيا وراء حياة التميز. إن السعادة قضية مؤسسية؛ فهي تتطلب نوعية من الظروف الاجتماعية والسياسية تحظى فيها بالحرية لممارسة قدراتك الإبداعية. ويكون ذلك أقل وضوحا حين ينظر أحدهم للسعادة بشكل أساسي كقضية داخلية أو فردية، مثلما يفعل الليبراليون. فالسعادة حالة ذهنية قد تتطلب بيئة هادئة خالية من الاضطرابات، ولكنها لا تتطلب نوعا بعينه من السياسات.
إذن فقد تشكل السعادة معنى الحياة، ولكنها ليست قضية بسيطة ومباشرة. فقد رأينا - على سبيل المثال - أن أحدهم قد يدعي أنه يستمد السعادة من انتهاج سلوك حقير. بل قد يدعي بأسلوب لا أخلاقي أنه يستمدها من التعاسة، كما في عبارة «إنه يشعر بالسعادة أكثر ما يشعر بها عند الشكوى.» بعبارة أخرى، هناك دائما مشكلة الماسوشية أو التلذذ بتعذيب الذات. فقد تكون حياة المرء - فيما يتعلق بالسلوكيات الحقيرة - ذات معنى شكليا؛ من حيث كونها منظمة ومتماسكة ومخططة بشكل جيد، ومليئة بالأهداف المحددة بشكل جيد، فيما تتسم بالتفاهة أو حتى الانحطاط في محتواها الأخلاقي. بل قد يكون الاثنان متصلين فيما بينهما، كما في متلازمة البيروقراطي ذي القلب الضامر. بالطبع توجد عناصر أخرى مرشحة لتشكيل معنى الحياة: القوة، والحب، والاحترام، والحقيقة، والمتعة، والحرية، والعقل، والاستقلالية، والدولة، والأمة، والإله، والتضحية بالنفس، والتأمل، والحياة وفقا للطبيعة، وتحقيق السعادة القصوى لأكبر عدد من الأشخاص، ونكران الذات، والموت، والرغبة، والنجاح الدنيوي، وتقدير الرفاق، وحصد أكبر عدد ممكن من الخبرات القوية، والاستمتاع، وما إلى ذلك. إن الحياة تصبح ذات معنى بالنسبة لمعظم الناس - على الصعيد العملي إن لم يكن دائما على الصعيد النظري - بعلاقاتهم بأقرب الأشخاص إليهم، مثل شركاء الحياة والأطفال.
ثمة عدد من العناصر المرشحة الأخرى سوف تبدو للعديد من الناس إما بالغة التفاهة، أو وسيلية أكثر من اللازم، لكي يعتد بها كمعنى للحياة. وتندرج كل من القوة والثروة بشكل واضح إلى حد ما إلى فئة العناصر الوسيلية، وأي شيء يستخدم كوسيلة لا يمكن أن يتسم بالسمة الأساسية التي يتطلبها معنى الحياة؛ إذ إنه يتواجد من أجل شيء أكثر جوهرية من نفسه. وليس بالضرورة أن يساوي ذلك بين ما هو وسيلي وبين ما هو أدنى: فالحرية - على الأقل في بعض من تعريفاتها - وسيلية، ولكن معظم الناس يتفقون على قيمتها النفيسة.
ومن ثم فإن إمكانية أن تكون القوة هي معنى الحياة قد يبدو أمرا محل شك؛ غير أنها مورد بشري ثمين، كما يعي من لا يملكونها. وكما هو الحال بالنسبة للثروة، فإن هؤلاء الذين يملكون القوة هم فقط من يملكون ازدراءها. فكل شيء يعتمد على من يستخدمه، والأغراض التي يستخدمه فيها، وفي أي مواقف. ولكنها لا تبدو غاية في حد ذاتها أكثر من الثروة؛ ما لم تتعامل مع «القوة» بالمعنى النيتشوي، الذي يعد أقرب لفكرة تحقيق الذات منه إلى فكرة السيطرة والهيمنة. (هذا لا يعني أن نيتشه كان يحمل أي بغض لجرعة قوية من الأخيرة). إن «إرادة القوة» في فكر نيتشه يعني نزعة كل الأشياء لإدراك وتوسيع وتقوية نفسها؛ ومن المنطقي أن ننظر إلى هذا كغاية في حد ذاتها، مثلما ينظر أرسطو إلى ازدهار ونجاح الإنسان كغاية في حد ذاته. وقد كانت نظرة سبينوزا للقوة مشابهة إلى حد كبير. كل الفرق هو أن هذا التزايد المتواصل للقوى في رؤية نيتشه الداروينية للحياة تشمل القوة أيضا كهيمنة، إذ يسعى كل شكل من أشكال الكائنات الحية إلى إخضاع الأشكال الأخرى. وهؤلاء الذين يستهويهم النظر إلى القوة في إطار الهيمنة كغاية في حد ذاتها لا بد أنهم يستدعون إلى الأذهان الصورة الغريبة والبشعة لمالك الصحيفة البريطانية الراحل روبرت ماكسويل، والذي كان محتالا ومتنمرا والذي كان جسده يمثل صورة قذرة لروحه.
أما بالنسبة للثروة، فإننا نعيش في حضارة تنكر أنها غاية في حد ذاتها بدافع من الورع، وتتعامل معها في الواقع العملي بالطريقة نفسها بالضبط. إن من بين أقوى الاتهامات الموجهة للرأسمالية أنها تدفعنا لاستثمار معظم طاقاتنا الإبداعية في أمور هي في واقع الأمر نفعية بشكل بحت. وبذلك تصبح وسائل المعيشة هي الغاية. إن السمة الأساسية للحياة تتمثل في إرساء البنية التحتية المادية للمعيشة. ومن المدهش أن النظام المادي للحياة في القرن الحادي والعشرين يزداد حجما مثلما كان في العصر الحجري. فرأس المال الذي يمكن أن يخصص لتحرير الرجال والنساء - ولو بدرجة متوسطة - من الحاجة الملحة للعمل يخصص بدلا من ذلك لمهمة تكديس المزيد من رأس المال.
شكل 4-2: قابض الأرواح: لقطة ساكنة من فيلم «معنى الحياة» لمونتي بايثون. (©
/Collection Cinéma)
إذا كان السؤال الخاص بمعنى الحياة يبدو ملحا في هذا الموقف، فإن ذلك يرجع من جانب إلى أن عملية التكديس برمتها في النهاية غير مجدية وبلا هدف، مثل الإرادة لدى شوبنهاور. فعلى غرار الإرادة، يتمتع رأس المال بقوة دافعة خاصة به، ويتواجد بشكل أساسي لأجل نفسه، ويستخدم الأفراد كأدوات لتطوره الأعمى. كما أن به شيء من الدهاء الدنيء الذي تتسم به الإرادة، إذ يقنع الرجال والنساء الذين يستخدمهم وكذلك العديد من الأدوات بأنهم متفردون وذوو قيمة غالية وإرادة حرة. وإذا كان شوبنهاور يطلق على هذا الخداع مسمى «الوعي»، فإن ماركس يطلق عليه الأيديولوجية.
Página desconocida