El sentido de la vida: Una introducción muy corta
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
إن النفس البروتستانتية لم تعد تشعر بالراحة والألفة في العالم؛ فلم يعد هناك أية روابط بين الاثنين. ولما كان الواقع عديم المعنى بطبيعته، لم يعد بمقدور النفس إيجاد انعكاس لها في الواقع، المصنوع من مادة مختلفة تماما عن مادتها. ومن ثم لا يمر وقت طويل قبل أن تقدم على الشك في وجودها - مثل شخص منبوذ - وتحرم من أي شيء خارج نطاقها قد يؤكد هويتها. إن «الإنسان» هو المصدر الأوحد للمعنى في العالم؛ ولكن العالم رفض عملية إضفاء المعنى تلك، محولا إياها إلى عملية اعتباطية وبلا مبرر. ونظرا لعدم وجود معنى أو منطق في الأشياء، فإنها أيضا لا يمكن التنبؤ بها. ولذلك فإن النفس البروتستانتية تتحرك بخوف في عالم مظلم من القوى العشوائية، يطاردها إله خفي، وهي غير واثقة من خلاصها.
لا شك أن كل هذا كان في الوقت نفسه عملية تحرر ضخمة. فلم يعد هناك ببساطة طريقة واحدة صحيحة لقراءة الواقع. ولم يعد الكهنة يحتكرون مفاتيح مملكة المعنى. وصارت حرية التأويل متاحة. كذلك لم يعد الرجال والنساء مضطرين للخضوع للمعاني الجاهزة التي مزجها الإله في العالم. وتدريجيا أفسح النص المقدس للكون - والذي كانت فيه العناصر المادية تشكل رموزا مجازية للحقائق الروحانية - المجال لظهور نص دنيوي. فبعد أن أفرغ الواقع من المعاني الموضوعة مقدما، صار بالإمكان تأويله وفقا لاحتياجات ورغبات الإنسانية. وما كان فيما سبق معاني ثابتة صار بالإمكان تفكيكها وتجميعها بطرق خيالية جديدة. وقد كان القس البروتستانتي فريدريك شلايرماخر هو من ابتكر علم الهرمنيوطيقا، أو التفسير. بل إن هناك جدلا حول وجود جذور إنجيلية راسخة لهذه الرؤية. فقد جاء في (سفر التكوين 2 : 19): «جبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها» (النسخة القياسية المنقحة). ولما كان فعل التسمية في الثقافة اليهودية القديمة فعلا إبداعيا أو أدائيا دوما، فإن هذا يشير إلى أن الإنسانية هي مصدر المعنى، بينما يهوه رب العبرانيين هو مصدر الوجود. فالإله يخلق الحيوانات، ويقدمها للإنسان، وتصبح ما يصنعه منها.
هل ينبغي أن يكون تخبط الروح البروتستانتية الوحيدة في الظلام مصحوبة بخوفها سببا للقلق بالنسبة لمن يؤمنون بأننا قادرون على تشكيل الحياة كيفما نشاء؟ نعم ولا: لا؛ لأن جعل حياتك ذات معنى - بدلا من توقع أن يكون معناها موجودا سلفا - يعد فكرة منطقية تماما. ونعم؛ من حيث إنها يجب إلى حد ما أن تعمل بمثابة تحذير واقعي ومتعقل من أن تشكيل المرء لمعنى حياته بنفسه لا يمكن أن يكون مجرد مسألة صياغة أي معنى يستهويك. فهو لا يعفيك من تبرير أيما شيء يجعل لحياتك معنى في إطار الاعتقاد العام. فلا يمكنك أن تكتفي بقول: «أنا عن نفسي، أجد أن معنى الحياة يكمن في حيوان الزغبة الخانقة»، وتأمل في الإفلات بما قلت.
ولا يمكن أيضا أن يكون مسألة خلق من عدم. فالبشر مخلوقات حرة الإرادة؛ ولكن فقط على أساس اعتماد أعمق على الطبيعة والعالم وأحدهم على الآخر. وأيا كان المعنى الذي قد أصوغه لحياتي، فإنه مقيد من الداخل بهذا الاعتماد؛ فلا يمكننا البدء من الصفر. إنها ليست مسألة تخلص من المعاني الممنوحة من قبل الإله من أجل صياغة معانينا الخاصة، مثلما تخيل نيتشه على ما يبدو؛ فنحن غارقون في عمق المعنى، مهما كان الموضع الذي قد نجد أنفسنا فيه. فنحن نتشكل من معاني الآخرين؛ معان لم نخترها قط، ولكنها توفر لنا المصفوفة التي نتوصل داخلها لفهم أنفسنا والعالم. وفي هذا الإطار - إن لم يكن جميع الأطر - فإن فكرة أن بإمكاني تحديد معنى حياتي تعد وهما.
ولكن ما يفهمه الآخرون من حياتهم ليس الشيء الوحيد الذي يقيد ما يمكنني أن أفهم من حياتي. فهي تتشكل أيضا من تلك السمات من وجودي التي تنبع من كوني عضوا في جنس طبيعي، والتي تصل لأقصى درجات الوضوح في الطبيعة المادية لجسمي. فلا يمكن أن يكون جزءا من معنى الحياة أن أقفز بلا أية وسيلة مساعدة من على ارتفاع 30 قدما في الهواء ثلاث مرات يوميا. وأي خطة حياة ذات معنى تفشل في احتواء حقائق القرابة والنشاط الاجتماعي والنشاط الجنسي والموت واللهو والحزن والضحك والمرض والعمل والتواصل وما إلى ذلك لن يقودنا للكثير . صحيح أن هذه الجوانب العامة من الحياة الإنسانية تمارس بشكل مختلف تماما باختلاف الثقافات؛ ولكن يجدر بنا أن نشير إلى أن لها وزنا وأهمية في سياق أي وجود فردي. فالكثير من السمات الأساسية للحياة الشخصية ليست شخصية على الإطلاق. فنظرا لأننا ببساطة حيوانات مادية، فإن قدرا ضخما قد تحدد لنا بالفعل، لا سيما الطرق التي نفكر بها؛ نظرا للارتباط الوثيق بين أسلوبنا في التفكير وطبيعتنا الحيوانية.
6
ولعل ذلك جزء مما كان يدور بذهن فيتجنشتاين حين أشار إلى أنه لو استطاع أسد أن يتكلم، لما استطعنا فهم ما يقول. وما لم يكن معنى الحياة يشمل جسدي المادي وعضويتي في النوع البيولوجي، فلا يمكن القول بأنه يشملني. وسوف نوضح بعضا من تداعيات ذلك في الفصل التالي.
هوامش
الفصل الرابع
هل تكون الحياة كيفما نشكلها؟
Página desconocida