El sentido de la vida: Una introducción muy corta
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
من قصيدة «الأشجار»
غير أن قول: «انظري هناك، إن الثلج يتساقط» يتضمن بعض المعاني بالفعل. فالثلج «ذو معنى» في إطار كونه جزءا من عالم ملموس وواضح، عالم تؤسسه لغتنا وتفتح آفاقه. إنه ليس مجرد نوع من الألغاز العجيبة. ولن يكون غريبا تماما أن يتساءل شخص ما لم يسبق له أن رأى الثلج: «ما معنى هذا؟» وعلى الرغم من أن الثلج ليس رمزا لأي شيء، فقد يمكن اعتباره لفظا دالا؛ فقد يدل على قدوم الشتاء. وبذا فهو ينتمي إلى منظومة جوية تديرها قوانين نستطيع فهمها. وقد نلاحظ أن هذا النوع من المعنى «متأصل» وليس «منسوبا»؛ فالثلج يعني أن الشتاء قادم بغض النظر عن اعتقادنا بشأن ما يعنيه ذلك. كذلك يمكن «استخدام» حقيقة تساقط الثلوج كدال، والواقع أن هذا هو بالضبط ما يفعله توزنباخ، إذ يشير إلى الثلج (بشكل ساخر بما يكفي ) كدلالة على انعدام المعنى. أو قد يتعجب شخص ما قائلا: «انظر إلى الثلج؛ الشتاء قادم! من الأفضل لنا أن نتجه إلى موسكو»، مما يجعل الثلج ذا دلالة ضمن مشروع إنساني، وأساسا لرسالة بين الأفراد. وفي جميع هذه الدلالات، لا يؤخذ تساقط الثلج على أنه مجرد انهمار للثلوج.
لعل توزنباخ يحاول الإيحاء بأن العالم سخيف ولا معقول. ولكن «اللامعقولية» تعد معنى كذلك؛ فالصياح: «ولكن هذا لا معقول»، يستثير احتمالية ما للفهم وإضفاء معنى متماسك. فاللامعقولية تصبح معقولة فقط في حالة مقارنتها بمثل هذه العملية من إضفاء المعنى، مثلما يصبح الشك منطقيا وذا معنى فقط في وجود خلفية من اليقين. وبإمكاننا الرد سريعا على شخص يدعي أن الحياة بلا معنى بقول: «ما هذا الذي بلا معنى؟» ولا بد أن يكون رده مصاغا في إطار المعاني. فعادة ما يتساءل الأشخاص الذين يتحرون عن معنى الحياة عن معنى كل مواقفها المتنوعة؛ ولما كان تحديد موقف في حد ذاته يحمل معنى، فلا يمكنهم أن يتحسروا لعدم وجود معنى على الإطلاق. وكما أن الشك في كل شيء يعد شيئا بلا معنى، من الصعب كذلك أن تدرك كيف يمكن للحياة أن تكون تافهة ولا معقولة على طول الطريق. فقد تكون الحياة بلا جدوى على طول الخط - بمعنى أنها تفتقر إلى غاية أو هدف معين - ولكن لا يمكن أن تكون تافهة بمعنى كونها حمقاء ما لم يكن هناك منطق ما يمكننا به قياس تلك الحقيقة.
غير أن الحياة قد تكون تافهة مقارنة بمعنى اعتادت أن تكتسبه، أو تعتقد أنها طالما اكتسبته. ولعل من الأسباب التي جعلت أتباع الحداثة أمثال تشيكوف ينشغلون إلى هذا الحد بإمكانية انعدام المعنى أن حركة الحداثة قديمة بما يكفي لتذكر فترة ما كان المعنى فيها لا يزال وافرا، أو هكذا كان يشاع على الأقل. لقد كان المعنى متواجدا حتى عهد قريب بما يكفي بالنسبة لكل من تشيكوف، وكونراد، وكافكا، وبيكيت وزملائهم، مما جعلهم يشعرون بالذهول والإحباط من تضاؤله. ولا تزال الأعمال الفنية التي تنتمي إلى حركة الحداثة تطاردها ذكرى كون منهجي منظم، ومن ثم لديها من الحنين ما يكفي للشعور بخسوف المعنى باعتباره كربا، أو فضيحة، أو حرمانا لا يطاق. ولذا نجد مثل هذه الأعمال في أغلب الأحيان تتحول فجأة نحو فكرة من الغياب المحوري، أي فجوة غامضة أو فترة صمت تميز النقطة التي تسرب منها الفهم وإضفاء المعنى. فتجدنا نفكر في موسكو في مسرحية تشيكوف «الشقيقات الثلاث»، وقلب الظلام الأفريقي لدى كونراد، أو منارة فيرجينيا وولف الغامضة، أو كهوف مارابار الخاوية لدى إي إم فورستر، أو نقطة تي إس إليوت الثابتة من العالم المتحول، أو اللامواجهة في صميم مسرحية «أوليسيس» لجويس، أو جودو بطل بيكيت، أو جريمة جوزيف كيه المجهولة لدى كافكا. وفي خضم هذا التوتر بين الحاجة المستمرة للمعنى والإحساس المزعج بمراوغته، يمكن للحداثة أن تكون تراجيدية بحق.
أما حركة ما بعد الحداثة - في المقابل - فهي ليست قديمة بما يكفي لاسترجاع فترة تواجد فيها الحقيقة والمعنى والواقع، وتتعامل مع مثل هذه الأوهام والضلالات بجزع الشباب الفظ. فلا جدوى من الحسرة على أعماق لم يكن لها وجود مطلقا. وحقيقة أنها تبدو أنها تلاشت لا تعني أن الحياة سطحية، إذ إنه لا يمكن أن يكون لديك أسطح إلا إذا كان لديك أعماق لتقارنها بها. إن معنى المعاني ليس أساسا قويا، بل وهما طاغيا ثقيل الوطأة. والحياة دون الحاجة لمثل هذه الضمانات تعني الحرية. ويمكنك أن تجادل بأنه بالفعل كان هناك يوما ما سرديات كبرى (مثل الماركسية) كانت مماثلة لشيء واقعي، ولكننا تخلصنا منها؛ أو يمكنك أن تصر على أن هذه السرديات لم تكن طوال الوقت سوى وهما، ومن ثم لم يكن هناك شيء لنفقده مطلقا. فإما أن العالم لم يعد قائما على قصة، أو أنه لم يكن كذلك من الأساس.
وعلى الرغم من سذاجة جزء كبير من فكر ما بعد الحداثة فيما يتعلق بهذه المسألة، هناك نقطة واحدة يحمل فيها دلالة بكل تأكيد. إن غثيان جان بول سارتر أو التحدي التراجيدي لألبير كامو، حين يواجه عالما من المفترض أنه بلا معنى، هو بحق جزء من المشكلة التي يعد إجابة لها. فليس من المحتمل أن تشعر بأن العالم عديم القيمة إلى حد الغثيان - في مقابل انعدام قيمته بشكل عادي قبل ذلك - إلا إذا كان لديك له توقعات مبالغ فيها من الأساس. إن كامو وسارتر - إن جاز التعبير - متقدمان في السن بما يكفي لتذكر فترة كان العالم يبدو فيها ذا معنى؛ ولكن إذا كانا يعتقدان أن هذا كان وهما حتى في ذلك الوقت، فما الذي فقد تحديدا باختفائه؟ ربما لا يكون للحياة هدف متأصل فيها، ولكن هذا لا يعني أنها عقيمة وبلا جدوى. فالعدمي هو مجرد ميتافيزيقي تحرر من الأوهام. والخوف هو الجانب الآخر للإيمان. والأمر نفسه ينطبق على الرومان الكاثوليك المرتدين، الذين يميلون للتحول إلى ملحدين بشكل محض بدلا من أن يكونوا أنجليكيين متمسكين بالتقاليد والطقوس. وهذا يعزى فقط إلى أنك قد تخيلت خطأ أن العالم يمكن أن يكون بشكل ما ذا معنى في جوهره - وهي فكرة تراها حركة ما بعد الحداثة بلا معنى - وهو ما تسبب في تدميرك حين وجدت أنه ليس كذلك.
من الممكن اعتبار أن أعمال صمويل بيكيت قد انحصرت في مكان ما بين قضايا الحداثة وقضايا ما بعد الحداثة. ففي إدراكه للمراوغة المفرطة للمعنى (إذ أشار ذات مرة إلى أن كلمته المفضلة هي «ربما»)، يعتبر بيكيت حداثيا كلاسيكيا. فكتاباته محبوكة من البداية للنهاية بإدراك لوقتية المعنى، مدركا - وهذا من المفارقات - أنه ربما لم يكن له وجود من الأساس. وهذا هو ما يجعله يبدو موجودا بشكل سطحي «فحسب»؛ فهو يحوم بشكل محفوف بالمخاطر على حافة الصياغة اللفظية، قبل أن يهوي بلا مبالاة بعيدا إلى ظلام يفتقر إلى الكلمات. إنه واه ومتسق مع حقيقة كونه مدركا بالكاد. فالمعنى يتوهج ويضمحل، ويمحو نفسه بمجرد ظهوره تقريبا. فتجد قصة بلا هدف تشق طريقها بصعوبة نحو السطح، فقط لتجهض في منتصفها لصالح قصة أخرى على القدر نفسه من العبث. ولا يوجد حتى ما يكفي من المعنى لإطلاق تسمية على الخطب الذي بنا.
إن كل شيء في عالم ما بعد معسكر الأوشفيتز غامض وغير محدد. فكل مقترح هو فرضية تجريبية، ومن الصعب التأكد ما إذا كان أي شيء يحدث أم لا؛ فماذا في هذا العالم يعتد به كحدث؟ هل انتظار جودو يعد حدثا، أم إرجاء لحدث؟ إن فعل الانتظار ذاته يندرج تحت اللاشيء؛ فهو بمثابة تأجيل أبدي للمعنى، أو ترقب للمستقبل الذي يعتبر أيضا أسلوب حياة في الحاضر، وهو ما يشير إلى أن عيش الحياة يعني أن ترجئ أو تعلق الوصول إلى معنى نهائي؛ وعلى الرغم من أن فعل تأجيل المعنى يجعل من الصعب تحمل الحياة، فقد يكون هذا أيضا هو ما يجعلها تستمر. كيف لك - في عالم تتسم فيه عملية تحديد المعنى بهذا القدر من الوهن والتمزق - أن تدرك مثل هذا المعنى المتألق؟ لعل شخصيتا فلاديمير واستراجون في «في انتظار جودو» قد فشلا في إدراكه بالفعل؛ ربما كان بوزو في حقيقة الأمر هو جودو (لعلهم قد أخطئوا سماع الاسم) ولا يدركان ذلك. أو ربما أن كل هذا التجمد المؤلم والهزلي للزمن هو تعبير عن قدوم جودو، مثلما يشير خواء التاريخ بالنسبة للفيلسوف والتر بنجامين بنوع من الإنكار والرفض إلى الوصول الوشيك للمسيح. ربما سيكون وصول جودو تحررا صحيا من الوهم، بما يوحي بأنه لم يكن هناك حاجة إليه من الأساس؛ أنه لم يكن هناك شيء جلل واحد يصرخ من أجل الخلاص، ولكن هذا الاعتقاد في حد ذاته جزء من وعينا الزائف. وقد يكون ذلك مقاربا لرؤية والتر بنجامين للمسيح الذي سيغير العالم، ولكنه سيفعل ذلك بإحداث تعديلات ثانوية بسيطة.
شكل 3-1: فلاديمير واستراجون في مشهد من مسرحية صمويل بيكيت «في انتظار جودو». (© Robbie Jack/Corbis)
إذا كان العالم مبهما، فإن اليأس غير ممكن. فواقع غامض لا بد بالتأكيد أن يترك مجالا للأمل. ولعل ذلك أحد أسباب عدم إقدام المتشردين (ولكن من قال إنهم متشردون؟) على قتل أنفسهم. فلا وجود للموت في أدب بيكيت، فقط عملية لا تنتهي من الانحدار والتدهور الجسدي؛ من تيبس الأطراف، وتشقق الجلد، وتشوش مقلة العين، وثقل السمع، وهو تدهور يبدو أنه سيستمر للأبد على الأرجح. ويبدو أن غياب جودو قد غمر الحياة في حالة من الغموض المتطرف، ولكن هذا يعني أنه لا يوجد تأكيد على أنه لن يأتي. فإذا كان كل شيء مبهم وغامض، فلا بد أن هذا يسري أيضا على معرفتنا به، وفي هذه الحالة لا يمكننا استبعاد احتمالية وجود حبكة سرية وراء كل ذلك. حتى الكآبة لا يمكن أن تكون مطلقة في عالم بلا ثوابت مطلقة. فيبدو أنه لا يمكن أن يكون هناك خلاص في عالم من هذا النوع، رغم أنه يبدو لنا أنه المكان الذي قد لا تزال فيه فكرة الخلاص فكرة منطقية ذات معنى؛ ولكن في هذه الحالة قد لا توجد حاجة مطلقة إليها أيضا. وعلى أية حال، من ذا الذي يمكن أن يقول إن هذا المشهد من التشوهات والإعاقات وأجزاء الجسم الخالية من الشعر - إذا شوهد من منظور مختلف كلية - ليس تأرجحا على حافة التغيير؟
Página desconocida