فقال الداعي: رأيتني، يا مولاي، أمامك كالواقف أمام أسد الله، فتذكرت قول الشاعر: لدى أسد ... فجرى لسان الحاكم غير مختار فأتم هو والداعي بيت زهير: ... شاك السلاح مقذف
له لبد أظفاره لم تقلم
ولم ندر ما جال في خاطر مولانا حتى تبسم، وكأنه أدرك أنه زهي وتكبر، فوبخ نفسه أمام الداعي بقوله لها: «رويدك لا تغتري، ما صفوت ولا نقيت بعد.» ثم تغير وجهه فالتفت إلى إسماعيل التفاتة أرعبته، وقال له: قل، أين الرجل؟
فحنى إسماعيل رأسه وقال: لم يجئ يا مولانا. - عجيب؟ أيؤثر المعرة على القاهرة؟ وبيته على دار الحكمة؟ - نعم يا مولانا، قال لي لن أبرح محبسي، على هذا عاهدت القرون.
فصاح الحاكم: القرون؟ أهكذا عبر عن النفس؟ - نعم يا مولانا، إنه لفاهم، وقد أوضح هذا شعرا فقال:
والجسم كالثوب على روحه
ينزع إن يخلق أو يتسخ
فأطرق الحاكم وقال: كأنه يسمع كل ما يقال في «دار الحكمة». ثم حدق إلى الداعي وقال: كيف لا يأتي إلينا والمجد ينتظره؟
إنه يزدري كل مجد يا مولانا، يرى جلوسه على اللبد شتاء وعلى الحصير صيفا خيرا من ألف عرش. - عجيب! أدعوته باسم؟ أدرى أني أريده سميرا ورفيقا وجليسا ومناظرا؟ - نعم درى واحتج بيمينه، فما لنا وله؟
وهاج الحاكم تطاول إسماعيل فقال له: لولا حرمة الدعوة لأخمدت أنفاسك.
Página desconocida