Batallas de los Árabes en Andalucía
معارك العرب في الأندلس
Géneros
ثم ارتد إلى قلعة سرقسطة (Saragosse)
يبتغي فتحها، فألقى عليها حصارا شديدا، وأعمل الحديد والنار في ولايتها، فدافعت عاصمة الدولة الهودية عن نفسها دفاع المستبسل المستميت، ولكن الإسبانيين ضيقوا الخناق عليها، فراحت تستغيث بجاراتها المسلمة، وملوك الطوائف ضعاف متمزقون يبصرون الكارثة مقذوفة إليهم، فتنخلع قلوبهم هلعا، ولا يستطيعون لها ردا، وهالهم أن تسقط سرقسطة بعد طليطلة، قاعدة تلو قاعدة، فماذا يكون مصير الأندلس إن لم يهبوا متساندين للنضال عنها؟ فالمصيبة جامعة لا تعف عن واحد منهم، ولا يؤمل بغير الاتحاد الحئول دون استشرائها.
فتداعوا إلى مؤتمر يعقدونه في مملكة ابن عباد - أعظمهم دولة - فاجتمعوا في إشبيلية، ثم في قرطبة، واتفقوا على ضم جهودهم لدفع المغير وإنقاذ سرقسطة، بيد أنهم لم يكونوا واثقين بالظفر؛ لما يعلمون من ضعف قواهم إزاء القوات الإسبانية القاهرة، فقرروا أن يستنجدوا يوسف بن تاشفين أمير المرابطين في عدوة إفريقية، وكان صاحب شوكة وسلطان، يسيطر على شعب مخشوشن الأبدان يستطيب الحرب والكفاح، لم ينغمس في الترف والملذات - كأهل الأندلس - لتخور عزائمه فيستكره القتال.
ولا يتوقع أن يصم زعيم المرابطين أذنيه عن نداء إخوانه المسلمين؛ لما به من حمية للدين ، ثم لما يضمر في نفسه من مأرب يهزه لفتح الأندلس وإلحاقها بإفريقية ما دام أمراؤها ضعافا متواكلين، لا يملكون وسائل الدفاع لحمايتها، فمن الخير للمسلمين أن يدخلها المرابطون، ويمنعوها أن تقع في قبضة المسيحيين.
بيد أن يوسف بن تاشفين - على رغبته الشديدة في الذود عن أبناء ملته، وبسط سلطانه على الأندلس - لم يسرع إلى تلبية ملوك الطوائف دون أن يتبصر بالأمر ويقلبه على وجوهه؛ فقد كان يجهل أرض الأندلس، ولا يعرف إلا الشيء القليل عن الأمراء المسيحيين، فأشفق أن يغرر بجيشه في بلاد غريبة، قبل أن يحتاط للطوارئ، ويتدبر عواقب مغامرته وإقدامه، فدعا إليه كاتبه عبد الرحمن بن أسبط الأندلسي، وطلب منه أن يشرح له أحوال إسبانيا، وما يحول من العقبات دون التغلب عليها.
فذكر له الكاتب أن المسلمين هناك لا يعمرون إلا ثمن البلاد، في حين أن النصارى يعمرون سبعة أثمانها، وشبه إسبانيا بسجن لمن دخلها، لا يخرج منه إلا تحت حكم صاحبه، فإذا كان الأمير عاقدا نيته على العبور إليها، فيحسن به أن يجيب المعتمد بن عباد بأنه لا يمكنه الجواز إليه، إلا إذا تنازل له عن الجزيرة الخضراء ليجعلها مقر أجناده وأثقاله، ويريد عبد الرحمن بذلك أن يبقى سيده متصلا بإفريقية، حتى إذا أخفق في حملته لا تسد عليه طريق الرجعة إليها، فاستصوب الأمير هذا الرأي، فكتب به إلى صاحب إشبيلية، ولبث ينتظر الجواب ويتأهب للقتال.
وكان ألفنس في تلك الأثناء قد ثقلت وطأته على الولايات الأندلسية، فلقي ابن هود أشد العناء في الدفاع عن سرقسطة، وما سلمت من التخريب بسائط إشبيلية وحصونها، وبات الخطر يهدد المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس، فرأى المعتمد بن عباد أن يستوقف شر الملك الإسباني بأداء الجزية والنزول له عن الحصون المتاخمة، فأرسل إليه يسأله الهدنة، ويبدي رغبته في تسليم الحصون، وتقديم الإتاوة.
فأوفد ألفنس بعثة على رأسها أحد قواده، ومعه يهودي يقال له ابن شاليب، ماهر في نقد الدراهم الزائفة، فنزلوا في ظاهر المدينة، فوجه المعتمد إليهم المال مع جماعة من وجوه دولته، فطلب ابن شاليب أن ينظر فيه قبل تسلمه، فاستاء الوفد الإشبيلي، وعدوا ذلك إهانة لهم ولأميرهم، فاحتدم الجدال بينهم وبين البعثة الإسبانية، فأصر اليهودي على طلبه، فاقترح القائد السفير أن يقدم ابن عباد بدلا من المال سفنا حربية، فعاد المندوبون بالمال إلى سيدهم، وأخبروه بما حدث، فتلظى حنقا حتى خرج عن دائرة اعتداله، فأمر بقتل السفير ومن معه، وكانوا ثلاثمائة، ولم ينج منهم غير ثلاثة تمكنوا من الفرار، ويروي صاحب «نفح الطيب» عن ابن اللبانة، شاعر المعتمد أن الأمير لم يقتل من البعثة غير اليهودي، فقد أمر بصلبه، وأما المسيحيون فإنه اكتفى بأن يزجهم في السجن.
ويقول أبو عبد الله الحميري في «الروض المعطار»: إن ألفنس طلب زيادة على الضريبة والحصون، أن تأتي امرأته إلى قصور الزهراء فتنزل فيها إلى أن تلد؛ لأن القسيسين أشاروا عليها بأن تتردد على الجامع الكبير في قرطبة، لتتبرك مدة حملها بزيارة الكنسية التي كانت بجانبه الغربي قبل بنائه، فرفض ابن عباد هذا الطلب، فراجعه ابن شاليب وأغلظ له القول، حتى أغضبه فأمر بصلبه منكوسا.
ثم فكر بما يجر عليه هذا الحادث من وخيم المغبة، فملك الجلالقة لا يصبر عن الاثئار لبعثته، وقد اتسع الخرق بينهما؛ فما يمكن استرضاؤه إلا بشروط لا تطاق، فوطن النية على استدعاء المرابطين ثانية، والتنازل لزعميهم عن الجزيرة الخضراء، فدعا ابنه الرشيد ولي عهده، وأفضى إليه بما يعتزم عليه، فمانع الرشيد وحذر والده خطر المرابطين إذا دخلوا الأندلس وامتلكوا قاعدة فيها.
Página desconocida