Batallas de los Árabes en Andalucía
معارك العرب في الأندلس
Géneros
وأبى خليفة الموحدين أن يتصرم النهار قبل أن يحرز النصر كاملا؛ فمشى بالعدد الأوفر إلى التل يخترق قلبه، ويساند قوات الأندلسيين، فدافعت فرسان الداوية وقلعة رباح عن مليكها أمجد دفاع، فكانوا يتساقطون من حوله صرعى، لا يحدثون النفس بالفرار، حتى لم يبق منهم إلا فضلة يسيرة لا تستطيع زيادا، فخشيت أن يفتك الأعداء بسيدها وهو مصر على الثبات لا يطيق براحا، فأكرهته على الانكفاء، فأنقذت حياته وكان بوده لو يبذلها سماحا.
ثم اقتحم المسلمون حصن الأرك، فاستنزلوا أصحابه واستولوا عليه، وهاجموا قلعة رباح فامتلكوها، وكان فرسانها قد تخلوا عنها، وانتهت المعركة بانكسار ساحق للإسبانيين.
يقول ابن خلدون: إن المسيحيين خسروا في هذه الواقعة ثلاثين ألف قتيل. أما ابن الأثير فيجعل القتلى ستة وأربعين ألفا ومائة ألفا، والأسرى ثلاثة عشر ألفا، ويقدر قتلى المسلمين بنحو عشرين ألفا، وكانت الغنائم عظيمة جدا .
قال ابن خلكان: «وغنم المسلمون أموالهم حتى قيل: إن الذي حصل لبيت المال من دروعهم ألف درع، وأما الدواب على اختلاف أنواعها، فلم يحصر لها عدد، ولم يسمع في بلاد الأندلس بكسرة مثلها.»
فمعركة الأرك - لا جرم - ثلت عز قشتالة، وهتكت حرمة سلطانها، وما كان الأمراء المسيحيون يتوقعون لها هذه الكارثة الشنعاء، وقد بلوا صولتها وجبروتها؛ فوقعت هيبة الموحدين في نفوسهم، وداخلهم الخوف على إماراتهم؛ فأسرعت مملكتا لاون والنافار إلى محالفة الخليفة المنصور، وهما في خذلهما لألفنس الثامن، وتأخرهما عن نجدته، أوصلتاه إلى هذه النتيجة الفاجعة، يضاف إلى ذلك ما لقي المسلمون من مساعدة الكونت بدرو أحد أبناء كاسترو؛ فقد كان هذا الأمير فارا عن وطنه مع أعوانه، ناقما على قشتالة التي رفعت أسرة لارا بإذلال أسرته، فلم يتأثم أن يبيع أمته ويقدم سيفه للموحدين.
ثم إن الملك ألفنس رأى أن يحذو حذو لاون والنافار فيسترضي المنصور ويلتمس منه الهدنة بعدما أبصر جيوش المسلمين تتابع الغزوات في ولاياته، تتلف الزرع، وتقطع الشجر، وتبلغ أبواب طليطلة، وهو لا يجرؤ أن يخرج إلى لقائها، بل يرى الخير - من خوفه - في الامتناع بقلاعه وحصونه، وقد رضي المنصور بمهادنته؛ لأنه كان مضطرا إلى مغادرة الجزيرة ليخمد ثورة لا يبرح يشعلها في إفريقيا والمغرب بقايا المرابطين، فعاد إلى مراكش يصلح من شئونها، وأمنت رياض الأندلس شر إسبانيا زمنا، ولكنها ما نالت من نعم الاستقلال الذي حاربت عليه الإمارات المرابطية والمسيحية إلا شارة الخضوع لسيطرة الموحدين.
معركة العقاب
بين معركة الأرك ومعركة العقاب سبع عشرة من السنين ساقطت ورقات يومياتها عن أحداث وشئون كانت بطبيعتها معلولا للأولى، وعلة للأخرى.
فإن انتصار أمير الموحدين على قشتالة، وما تلاه من خضوع ألفنس الثامن لسيفه، والتماسه الهدنة منه، وإسراع ملكي لاون والنافار إلى محالفته وخطب وده -مكن سلطانه في الأندلس، وحرمته في النفوس، وأتاح له أن يتفرغ إلى إصلاح فتوق مملكته، وتأديب العصاة والثائرين دون أن يصرف النظر عن أمراء إسبانية، وما في صدورهم من ضغائن يحفظها بعضهم لبعض .
فقد كان المنصور - على علو همته - وافر الذكاء، بعيد النظر، لا يسقط عنه أن يستغل خلافهم لمنفعته وخير أمته، وهو يعلم أنه ما دام الشر معصوصبا بينهم، لا يرتفع لهم صوت جهير، ولا يفيئ عليهم ظل ممدود في بقاع يعمرها الإسلام، أفما يجدر به أن يحرك فيهم - من وراء حجاب - لاعج العدوان، فتنام الأندلس على أمن وسكينة، وتشرق إسبانية المسيحية بدمها إلى يوم يوهنها النزف، فترتمي متلاشية على أقدام المسلمين؟
Página desconocida