Batallas de los Árabes en Andalucía
معارك العرب في الأندلس
Géneros
ولم يخطر لهم في بال أن ألفنس السادس ستقوم له قائمة بعد موقعة الزلاقة، وقد خسر فيها نخبة فرسانه ومعظم جيشه وعتاده، ويقينا لو أصابت هذه الكارثة رجلا غيره لحطمت عزيمته وقضت على مساعيه، ولكنها أصابت جبارا مريدا لا يسهل على الأحداث تدويخه وإقعاد هماته، فإنه ما انفك - منذ هزيمته المشئومة - يستنفر الإسبانيين والفرنسيين، حتى تم له بعد عام حشد جيش عظيم في عدته وعدده، فخرج به سنة 1087م، مغيرا على الأندلس، مخربا فيها، مفتتحا بعض مدائنها، مهددا ملوكها ولا سيما المعتمد بن عباد.
وعبثا حاول هؤلاء الأمراء أن يدفعوا البلاء عن ديارهم، وهم على تحاسدهم، وطمع قويهم في ضعيفهم، لا يخلصون النية للتعاون المشترك، يتحالف منهم فريق، ويتخلف فريق آخر، ولا يتلكأ بعضهم أن يكيد لبعض، فكأن يوم الزلاقة أنساهم ما جر عليهم تفسخهم بالأمس، وكأن بعد يوسف بن تاشفين أغفلهم عما يهددهم في الغد، وكان المعتمد أشدهم طموحا إلى بسط سلطانه والاستئثار بالنفوذ؛ لاعتداده عليهم بالقوة واتساع الملك، فحدثته نفسه بخطة خرقاء لم يحسب حسابا لنتائجها، فرأى أن يعبر المضيق إلى المغرب ويشرح لأمير المسلمين أحوال الأندلس وقعود أمرائها عن حمايتها، راجيا منه أن يوليه قيادة العساكر الصحراوية ليستطيع بها جمع الولايات وضم أشتاتها، ومن ثم مقاومة الأمراء المسيحيين، وفاته أن سلطان مراكش ينتظر هذه الفرصة لتحقيق رغائبه في الاستيلاء على الأندلس وجعلها من أعمال دولته.
فعاد من عنده خائبا نادما؛ لأن الزعيم المرابطي يريد أن يحمل بنفسه عبء مجاهدة الإسبانيين، ولعله تلقى رسائل من علماء الأندلس يستنجدونه لإنقاذها؛ فنشط يجمع العساكر ويدربها، حتى تهيأ له حجفل كثيف، فعبر به بحر الزقاق إلى الجزيرة الخضراء، في حزيران 1088م/ربيع الأول 481ه، وما وكده الأمراء المسيحيون وحدهم، بل ملوك الطوائف قبلهم.
على أنه لم يجد من الحكمة أن يناصبهم العداء فورا، فباشر الحرب أولا مع الإسبانيين دون أن يدعوهم إلى مساعدته، ثم ارتد إلى غرناطة فاحتلها واعتقل صاحبها عبد الله بن بلكين بن باديس، ونفاه إلى أغمات قرب مراكش، متهما إياه بأنه حليف لألفنس، ورأى أن الجيش المرابطي لا يكفي للقيام بحركات واسعة يزيل بها ملوك الطوائف، فارتد إلى سبتة وأخذ يحشد العساكر ويجيزها إلى قائده سير بن أبي بكر في غرناطة حتى اجتمعت له قوات جرارة، فسيرها في أربع جهات لقتال المعتمد بن عباد، والمعتصم بن صمادح صاحب ألمرية (Almeria) .
وكان المعتمد يتوقع غارة المرابطين على مملكته، ويستعد لها، فهب إلى مدافعتهم يخوض المعارك بنفسه، ويبلي أحسن البلاء، ولكن ما حيلته وجيشه ضعيف أمام الفيالق الصحراوية الطاحنة؟! فمن الجنون أن يغرر به ويتابع حربا نتيجتها خاسرة؛ يعرف كل ذلك، ويعرف أيضا أن الحرب لا مهرب منها إلا إذا تنازل عن عرشه ليوسف بن تاشفين، وكيف له بالتنازل عنه وهو به ضنين، يفضل أن تخرق الرماح جثمانه وأن يموت الجيش في مكانه على أن يخفض الرأس لابن الصحراء!
ترى بمن يستغيث، وإلى من يفزع؟ أيدعو ملوك الطوائف لنصرته، وفيهم الحاسد والشامت؛ من يسر بنكبته، أو الخائف المرتعش يشتغل بتحصين أرضه ولا يجرؤ أن يبادي الملثمين بالعدوان؟ وما أبعد الأمل عند ملوك الطوائف! وما أقربه عند ألفنس عدوه اليوم وحليفه بالأمس! فلماذا لا يهرع إليه بندائه وهو يشعر شعوره بخطر الغزاة الغرباء؟ وما كاد صوت الاستغاثة يبلغ عاهل قشتالة، حتى بادر إلى نجدته بأربعين ألف راجل وعشرين ألف فارس يقودهم الكونت غوميز (Gomez) ، فالتقاهم المرابطون عند قرطبة فهزموهم بعد معكرة دامية.
ولبث المعتمد يدافع عن إشبيلية دفاع اليائس المستميت، باذلا آخر ما لديه من القوى، والمرابطون يأخذونه من كل جهة إلى أن دخلوها عنوة في أيلول سنة 1091م/رجب 484ه، فاعتقلوه وساقوه وأسرته إلى أغمات، وسقطت ألمرية على إثر إشبيلية، وزال عنها ملك المعتصم بن صمادح، ثم أناخ المرابطون على مرسية (Murcie) ، وافتتحوا دانية (Dénia)
وشاطبة (Jativa) ، وما زالوا يتقدمون من مدينة إلى مدينة حتى انتهوا إلى بلنسية، وهي يومئذ في حكم القادر بن ذي النون، وكان ألفنس السادس قد أقطعه هذه الإمارة بدلا من طليطلة التي انتزعها منه، وجعله تحت حمايته يتقاضاه الجزية ويذود عنه إذا اعتدي عليه.
فلما أغار المرابطون على بلنسية انضمت قوة من النصارى إلى المسلمين تدافع معهم عنها ممتنعين بحصونها، ولكن المهاجمين استطاعوا أن يأخذوها في غير مشقة؛ لأن القاضي أبا أحمد بن جحاف المعافري فتح لهم أبوابها، وأمدهم بجماعة من أصحابه تسهل لهم امتلاكها؛ لطمعه في الإمارة، وكرهه للقادر بن ذي النون صنيعة الإسبانيين.
وكافأ المرابطون القاضي فجعلوه واليا على بلنسية من قبل سلطان مراكش، فما كان منه إلا أن بادر إلى الانتقام من القادر، فما زال يبحث عنه ويطارده حتى تمكن منه فقتله، ثم انتهب قصره واستولى على أمواله، فزالت بموته دولة ذي النون 1092م/485ه.
Página desconocida