الحمد لله العظيم الآلاء، الواسع العطاء، المبدئ النعماء، المستحق للشكر والثناء، المتفرد (1) بالبقاء، (و) (2) المنزه عن التغير والفناء (3)، المقدس عن الأنداد واشركاء، باعث الرسل والأنبياء لهداية المخلوقين من الجهالة والعمياء، منبت الزرع في (4) الأرض ومنزل الغيث من السماء، الذي جعل العلم زينا للعلماء، وسراجا للمتعلمين من الحيرة والجهلاء، وهداية كالنجوم في الدهماء، فصاروا ينابيع الحكم ومصابيح الظلماء.
والصلاة والسلام على رسوله، سيدنا محمد أفضل الأنبياء، وعلى آله وعلى أولاده المختصين بالانتساب إلى الحضرة النبوية وشرف الانتماء، المشرفين بالتطهير والاصطفاء، والمحبة والاجتباء، المظللين بالعباء، العارفين بغوامض الحكم والعلوم وما هو منها كهيئة المنكنون، والمحيطين علما بأسرار ما صدر عن الكاف والنون (5).
وعلى أصحابه الذين هم كالنجوم من اقتدى بهم اهتدى، ومن خالفهم ضل واعتدى، ونسب إلى البدعة والجنون.
وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وكافة أنصاره، وأحبابه، والمتمسكين بهديه، بالإخلاص دون الشبهة والظنون.
Página 23
صلاة مشوبة (1) بذكرهم، وتضاعف لهم الدرجات، ما طلعت ذكاء، وتعاقب الصباح والمساء، وجرى في الأنهار الماء، وغلب على الأرض السماء.
وبعد، يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني، محمد بن يوسف بن الحسن المدني الزرندي الأنصاري، المحدث بالحرم الشريف النبوي، أصلح الله تعالى شأنه، وصانه عما شانه، ورحم أسلافه الكرام، وجمعه وإياهم في دار السلام: فقد اقترح علي بعض السادة الأخيار، أن أجمع له شيئا من فضائل الأئمة الأبرار، العترة الأطهار، العارفين بخفايا العلوم والأسرار، الكاشفين عنها بما ألهموا وأوتوا من الأنوار، وبما خصوا من مزيد الطهارة والاصطفاء من الجبار، المخصوصين بالكرامة والزلفى، الواردين من مناهل اللطف، ومشارع الفضل والعطف، والمشرب العذب، والمورد الأصفى، المبرئين من كل رذيلة ودنية (2)، والمتحلين بكل فضيلة جلية، ومنقبة سنية.
مطهرون نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا ومن هم الملأ الأعلى وعندهم * علم الكتاب وما (3) جاءت به السور (4) فأجبت سؤاله، وأسعفت مقالة، رجاءا لدعائه الصالح، وثنائه العطر (5) الفائح، ولما أوجب الله تعالى على الخلق من محبتهم، والتعظيم لقدرهم، والتنويه بذكرهم، والاتباع بهديهم، وأشرت إلى بعض ما خصهم الله تعالى به من
Página 24
المواهب الشريفة، وشرفهم به من المناقب المنيفة، فإن الله تعالى جعل محبتهم مثمرة السعادات في الأولى والعقبى، وأنزل في شأنهم * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (1)، وقد قال الإمام الشافعي (رحمه الله) في هذا المعنى مشيرا إلى وصفهم، ومنبها على ما خصهم الله تعالى به من رعاية فضلهم (2):
يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (3).
وقال غيره:
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا * تمسك في أخراه بالسبب الأقوى هم القوم فاقوا العالمين مناقبا * محاسنها تجلى وآياتها تروى (4) موالاتهم فرض وحبهم هدى * وطاعتهم قرب (5) وودهم تقوى (6)
Página 25
ثم إني أحمد الله تعالى وأشكره، على ما ألهمني في هذا المختصر مع جمع هذه الغرر، وعلى ما وفقني ومن به علي من محبتهم والاتباع لهديهم وسنتهم (1)، وجعلني من المنتمين إليهم، والمرفرفين بأجنحة الإخلاص حواليهم، والطائفين كعبة موالاتهم بأقدام اليقين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قوم لهم مني ولاء مخالص * في حالة الإعلان والإسرار أنا عبدهم ووليهم وولاؤهم * نوري (2) وموضع عصمتي وسواري فعليهم مني السلام فأنهم * أقصى مناي ومنتهى إيثاري (3) فصلوات الله على سيدنا محمد وآله وذوي (4) قرابته، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآل كل وصحابته، ما نظر عين ومطر غيث (5)، ونبع عين وشع علينا (6) عين، وسبح سحاب وارثكم ضباب (7)، ونفح أناب ونفخ كتاب، وعلا على غدر الماء جناب (8)، وسلامه وتحياته على أرواحهم الطاهرة الطناب (9)، ما لاح في أفق السماء سحاب (10).
ولا تخطت سواري المزن ساحتهم * ولا عدتها غوادي العارض الهطل (11).
Página 26
وأنا أسأل من كل واقف على هذا الكتاب، من أحبابي وإخواني وأنصاري في دين الله وأعواني، أن يسأل الله تعالى اصلاح حالي ورفع شأني، وأن يثبت على صراطه المستقيم قلبي، ويجري بالصدق والصواب لساني، ويختم لي بالسعادة والحسني، فهي أكثر سؤلي وأعظم أماني.
متوسلا منهم وسائل فضلهم * أن يسألوا في العفو عن أوزاري متوقعا لمواهب ورغائب * ومطالب مثل السحاب غزار (1) وسميته كتاب (معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول والبتول) (2) جعلته لي عندهم سببا مسببا (3)، وبرهانا مبينا، واعتقادا صافيا، (ويقينا وديدنا، ودارا ودينا) (4).
حب النبي وأهل البيت معتمدي * إذا الخطوب أساءت رأيها فينا أرجو النجاة بهم يوم المعاد وإن * جئت بدائي من الذنب الأفانينا (5) كشفت فيه عن بعض ما خصهم الله تعالى به من الفضائل المتلألئة الأنوار، والمناقب (6) العالية المنار، والمقامات الطاهرة الأقدار، والكرامات الوسيعة الأقطار (7)، والمراتب الرفيعة الأخطار، والمنائح الفاتحة الأزهار، والمكارم الفائضة التيار، والمآثر الكريمة الآثار، فإن لهم من زواهر المفاخر المنيفة، وصفايا المزايا الشريفة، وطرائف النكت الغريبة، ولطائف الصدف (8) العجيبة،
Página 27
ما لا يوجد لأمثالهم، ومن أين للشمس المنيرة مالها؟
وهيهات أن ينال أحد منالها، أو يطمع وهم أن يتصور خيالها، أو يطالع جن وأنس جمالها وكمالها.
دراري الصدق ضمنها درر العلى * وليس بمول مثلها يد مسند نظائر أنس في حضائر قدست * بذكر هداة الدين من بعد أحمد فصوص نصوص في ذوي الفضل والتقى * شموس على درب كأشرف (1) محتد لهم في سماء المجد اشرف مصعد * وهم في عراص الدين أكرم مرصد (2) وأنا اسأل الله تعالى أن يجعل سعيي خالصا لوجهه الكريم، وينفعني بمنه (3) العظيم، ولطفه العميم، ويجعل ذلك ذخيرة لي عندهم يوم تبلى السرائر، وتنكشف المخبآت والضمائر، لعلي أن أفوز برؤيتهم، وأسعد بصحبتهم، وأحشر في زمرتهم، وادخل بولايتهم وشفاعتهم دار السلام، فإنه غاية السؤل (4) والمرام، وهو سبحانه جدير بالإنعام والتكرم والإكرام، وقد قلت متشفعا بهم ومؤملا لهم:
شفيعي نبيي والبتول وحيدر * وسبطاه والسجاد والباقر المجد وجعفر والثاوي ببغداد والرضا * ونجل الرضا والعسكريان والمهدي (5) وها أنا أشرع في ذكرهم، وأشغف (6) الأسماع بوصف فخرهم وعلو قدرهم، وأعطر المجالس والمحافل بري نشرهم.
Página 28
في حياة علي بن أبي طالب (عليه السلام)
Página 29
فأولهم: أمير المؤمنين ويعسوب الدين (1)، مبين مناهج الحق واليقين، ورأس الأولياء والصديقين، وإمام البررة المتقين، وأول من آمن وصدق من المؤمنين، وأخو رسول رب العالمين.
محمد العالي سرادق مجده * على قمة العرش المجيد تعاليا علي علا فوق السماوات قدره * ومن فضله نال المعالي الأمانيا فأسس بنيان الولاية متقنا * وحاز ذوو التحقيق منه المعانيا (2) ذو القلب (3) العقول والأذن الواعية، والهمة التي هي بالعهود والذمم وافية، ينبوع الخير ومعدن البركات، ومنجي غرقى بحار المعاصي من المخازي والمهاوي والدركات، مبدع جسيمات المكارم، ومفيض عميمات المنن، الذي حبه وحب أولاده (من) (4) أوفى العدد، وأوقى المنن (5).
أخو أحمد المختار صفوة هاشم * أبو السادة الغر الميامين مؤتمن وصهر إمام المرسلين محمد * علي أمير المؤمنين أبو الحسن هما ظهرا شخصين والنور واحد * بنص حديث النفس والنور فاعلمن
Página 31
هو الوزر المأمول في كل خطة * وإن لم ينج الهالكون به فمن (1) عليهم صلاة الله ما لاح كوكب * وما هب ممراض النسيم على فنن (2) الليث الهصور (3)، والبطل المنصور، والسيف البتور، والسيد الوقور، والبحر المسجور، والعلم المنشور، والعباب الزاخر الخضم، والطود الشاهق الأشم، وساقي المؤمنين من الحوض بالأوفى والأتم، المجتبى المرتضى، الذي هو في الدنيا والآخرة إمام سيد، وفي ذات الله سبحانه وإقامة دينه قوي أيد، مؤازر الرسول ومؤاخيه وقرة عينه، صنو أبيه وابن عمه، ووارث مدينة علمه، المشرف بمزية (من كنت مولاه فعلي مولاه) والمؤيد بدعوة (اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه) الضيغم المهصاد (4)، أسد الله الكرار، أبو الأئمة الأطهار.
فكم كشف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كربة وبؤس، حتى شرفه بقوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى).
وكم ذب عنه من غمة وكربي، حتى أنزل الله تعالى فيه وفي أولاده * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (5) فتوفر بها حظهم من أقسام العلى توفيرا، وزادهم شرفا ورفعة بين الأنام ووقرهم توقيرا، كما أنزل فيهم * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (6) فهو السابق إلى كل منقبة وفضيلة على أرباب (7)، والفائز من الحضرة النبوية بكرامة الأخوة
Página 32
والانتخاب (1)، فلا يتطرق (2) إلى قدح من قدح في معاليه معتاب ولا مغتاب (3)، لنقا جنابه (4) عن كل ذم وعاب، فارس ميدان الطعان والضراب، وهزبر كل عرين وضرغام كل غاب، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب، المتصدق بخاتمه في المحراب، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، المكنى بأبي الريحانتين وأبي الحسن وأبي التراب، هو النبأ العظيم وفلك نوح وباب الله وانقطع الخطاب.
روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل من قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله عز وجل آدم (عليه السلام) سلك ذلك النور في صلبه، ولم يزل الله عز وجل ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره في صلب عبد المطلب، ثم أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين: قسما في صلب عبد الله، وقسما في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي) (5).
[في بعض الآيات النازلة في حقه] وقد أنزل الله عز وجل في حقه آيات كثيرة:
منها: قوله عز وجل: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * (6).
Página 33
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها نزلت في علي، ما من مسلم إلا ولعلي في قلبه محبة (1).
وقال البراء (رضي الله عنه): قال النبي (ص) لعلي: (يا علي ادع ربك وسله يعطك، وقل:
اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في صدور المؤمنين مودة).
فأنزل الله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * نقله الواحدي (رحمه الله) في تفسيره (2).
ومنها: قوله تعالى: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (3).
وروى عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة التطوع، فنزع خاتمه وأعطاه السائل، فأتى رسول الله (ص) فأعمله ذلك، فنزلت هذه الآية فقرأها رسول الله (ص) (4).
Página 34
ومنها: قوله عز وجل: * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) * (1).
فالهادي هو: علي (عليه السلام).
روى أبو برزة الأسلمي (2) (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (إنما أنت منذر - ووضع يده على صدر نفسه ثم وضعها على يد علي وهو يقرأ - ولكل قوم هاد) (3).
وقال ابن عباس (رضي الله عنه ): لما نزلت * (إنما أنت منذر) * قال النبي (ص): (أنا المنذر وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي) (4).
ومنها: قوله عز وجل: * (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
Página 35
وعلانية) * (1).
كان مع علي (عليه السلام) أربعة دراهم، فأنفق بالليل درهما، وبالنهار درهما، وفي السر درهما، وفي العلانية درهما.
فنزلت الآية فيه (2).
ومنها: قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (3).
فعمل بها علي (عليه السلام) وحده ثم نسخها الله عز وجل، فلم يعمل بها أحد قبله ولا بعده.
قال المفسرون رحمهم الله: نهوا عن النجوى حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) (4).
روى الواحدي بسنده إلى مجاهد عن علي (عليه السلام) قال: آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي (ولا) (5) يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى: كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، وكلما أردت أن أناجي رسول الله (ص) قدمت درهما، فنسختها الآية الأخرى: * (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم...) * الآية (6).
Página 36
قال علي: (في (1) خفف الله عن هذه الأمة، فلم تنزل في أحد قبلي ولم تنزل في أحد بعدي) (2).
ومنها: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * (3).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: مع علي وأصحابه (4).
ومنها: قوله عز وجل: * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) * (5).
قال محمد بن سيرين (رحمه الله): نزلت في علي (عليه السلام).
هو ابن عم رسول الله (ص)، وزوج ابنته فاطمة (عليها السلام)، وكان نسبا وكان صهرا (6).
ومنها: قوله سبحانه وتعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) * (7).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة.
قال الوليد لعلي: أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك.
فقال له علي بن أبي طالب: (إنما أنت فاسق).
Página 37
فنزلت: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) *.
يعني بالمؤمن علي بن أبي طالب والفاسق وليد بن عقبة (1).
ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره: أن سفيان بن عيينة (رحمه الله) سئل عن قول الله عز وجل: * (سأل سائل بعذاب واقع) * (2) فيمن نزلت؟
فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أن رسول الله (ص) لما كان بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي (رضي الله عنه) وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري (3)، فأتى رسول الله (ص) على ناقة له، فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها فقال: يا محمد أمرتنا
Página 38
عن الله عز وجل أن نشهد أن لا إله إلا الله فقبلناه (1) وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شئ منك أم من الله عز وجل؟
فقال النبي (ص):
(والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله عز وجل).
فولى الحارث (2) بن النعمان يريد راحلته وهو يقول:
اللهم إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، أو آتنا بعذاب أليم.
فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله عز وجل بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله.
وأنزل الله عز وجل:
* (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج) * (3).
والآيات الواردة في فضله (رضي الله عنه) كثيرة، لكني ذكرت منها ما حضرني ذكره وطاب نشره.
[في مكانته عند رسول الله (ص) وفضائله] وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي (ص) نظر إلى علي بن أبي
Página 39
طالب فقال له: (أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، من أحبك [فقد] أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك) (1).
وروى أنس (رضي الله عنه) قال: أهدي لرسول الله (ص ) طير مشوي نضيج، فقال النبي (ص): (اللهم أئتني بأحب الخلق إليك وإلي يأكل معي من هذا الطير).
فجاء علي فأكل معه (2).
وروى الحارث (3) الهمداني قال: جاء علي (عليه السلام) حتى صعد المنبر، فحمد
Página 40
الله عز وجل ثم قال: (قضاء قضاه الله على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم النبي الأمي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى) (1).
وأنشدوا:
من ظل في الدين أخا فطنة * بحب صحب المصطفى الغالب فآية المؤمن في حبهم * حب علي بن أبي طالب وقال (رضي الله عنه): (من أحبني وجدني عند مماته بحيث يحب، ومن أبغضني وجدني عند مماته بحيث يكره) (2).
وأنشدوا:
حب علي في الورى جنه * أشدد به يا رب أوزاري إن علي بن أبي طالب * ينجي محبيه من النار (3) وروى الترمذي بسنده إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد: أن بعض الأمراء (4) قال له: ما منعك أن تسب أبا تراب؟
قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله (ص) فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.
Página 41
سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي وخلفه في بعض مغازيه فقال [له] علي: (يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟) فقال له رسول الله (ص): (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
وسمعته يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله).
فتطاولنا لها، فقال: (ادعوا لي عليا).
فأتاه وهو أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، وأنزلت هذه الآية * (قل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * (1).
فدعا رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وقال: (اللهم هؤلاء أهلي) (2).
وفيهم أنزل الله عز وجل * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (3).
روى الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (رحمه الله)، بسنده إلى البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: أقبلنا مع النبي (ص) في حجة الوداع حتى إذا كنا بغدير
Página 42
خم من الجحفة يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح للنبي (ص) تحت شجرتين، فأخذ النبي (ص) بيد علي ثم قال:
(ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟).
قالوا: بلى.
قال: (ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟).
قالوا: بلى.
قال: ([أليس] أزواجي أمهاتكم؟).
قالوا: بلى.
فقال رسول الله (ص): (فإن هذا مولى من (أنا) (1) مولاه، اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه).
فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (2). هذه بعض رواياته.
وفي رواية له: أن النبي (ص) قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم أعنه وأعن به وأنصره وأنصر به (3)، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) (4).
قال الإمام أبو الحسن الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبي (ص) مسؤول عنها يوم القيامة (5).
Página 43