358

Macarij Amal

معارج الآمال لنور الدين السالمي- حسب الكتب

وأما المعمول به عند أصحابنا: أنه لا بد من الماء؛ لأن ما قدمناه إنما كان في الصدر الأول، حتى قالت عائشة - رضي الله عنها-: "إنما كانوا يتبعرون بعرا، وأنتم تثلطون ثلطا"، ومعنى ذلك أن الصدر الأول كانوا يأكلون الخشن من الطعام لضيق الدنيا على بعضهم ولزهد غالبهم، فكان الخارج منهم لا يؤثر في جوانب الفرج، فكانت الرخصة في ترك الاستنجاء بالماء مع الاستجمار بالحجارة لائقة في حقهم؛ لأن غسل النجس إنما يجب إذا ظهر على ظاهر الجسد دون باطنه، وأما أهل الأعصار المتأخرة فإن الدنيا قد اتسعت لهم ورغبوا في المعيشة، وأرغدوا من الطعام، وأنعموا المأكل فكان الخارج رقيقا، أو جامدا غليظا لا يخلو منه ظاهر الجسد، فتعين وجوب الاستنجاء في حقهم دون حق من قبلهم، ولا بد من إعطاء ذلك الحكم لمن نزل في منزلة الصدر الأول من خشونة المأكل ونحوه، فلذا ذكرت هذه الرخصة في كتب أصحابنا كابن جعفر وشرح أبي محمد عليه، والشيخ إسماعيل في قواعده.

ثم إن هذا التعليل المنقول عن عائشة إنما يصح في الغائط دون البول؛ لأن البول لم يختلف حكمه؛ لأنه لم يختلف حاله.

ويوجد عن الربيع بن حبيب -رحمه الله تعالى- أنه كان يقول: لو أن رجلا بال ونظف فعسه بالحجر وغيره تنظيفا حسنا ونسي أن يغسل ذكره وتوضأ وضوء الصلاة وصلى أجزأه ذلك ولم يعد الوضوء ولا الصلاة، فإن صح هذا عن الربيع فهو يدل على جواز الاجتزاء بالاستنجاء بالأحجار إذا ذهبت عين النجاسة، والله أعلم.

Página 131