المسألة الخامسة: [في الرد على من قال: الشكر شرك] حكى الفخر عن الواسطي أنه قال: "الشكر شرك"، وفسر الفخر هذا الكلام بأن من اعتقد أن حمده وشكره يساوي نعم الله تعالى فقد أشرك. وهذا كلام باطل.
أما المنقول عن الواسطي فبطلانه ظاهر؛ لأنه جعل الشكر الذي أوجبه ربنا تعالى على خلقه شركا، وظاهر هذا الكلام يوجب الشرك، ويحكم على صاحبه بالارتداد عن الإسلام، قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}، والمراد بالكفر في هذه الآية ترك الشكر.
قال القطب: وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من أعطي الشكر لم يحرم الزيادة»؛ لأن الله تعالى قال: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، وقال تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}.
قال القطب: وروى الحاكم في المستدرك عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما أنعم الله على عبده من نعمة فقال: (الحمد لله)؛ إلا قد أدى شكرها، وإن قالها الثانية جدد له ثوابها، فإن قالها الثالثة غفر الله ذنوبه».
وأما تفسير الفخر للمنقول عن الواسطي فبطلانه من حيث أنه جعل اعتقاد العبد مساواة حمده لنعمة الله شركا، وهذا غير ظاهر؛ لأن ذلك المعتقد إما أن يكون متأولا في اعتقاده فليس بمشرك اتفاقا؛ لأنه لا يكون اعتقاده ذلك أشد من اعتقاد سائر الفرق /17/ الإسلامية للضلالات التي زعموها أنها دين الله، وإما أن يكون في اعتقاده ذلك رادا للشريعة المحمدية، فشركه إنما يكون من حيث رد الشرائع لا من حيث ذلك الاعتقاد، فظهر بطلان قول الفخر أيضا، والله أعلم.
Página 32