على تقدير تسليمها، متحدا. بل منها ما يدل على أن الصيغة بنفسها تقتضيه، وهو أكثرها. ومنها ما لا يدل على ذلك، وإنما يدل على وجوب المبادرة إلى امتثال الامر، وهو الآيات المأمور فيها بالمسارعة والاستباق.
فمن اعتمد في استدلاله على الأولى، ليس له عن القول بسقوط الوجوب حيث يمضي أول أوقات الامكان مفر، لان إرادة الوقت الأول على ذلك التقدير بعض مدلول صيغة الامر، فكان بمنزلة أن يقول: " أوجبت عليك الامر الفلاني في أول أوقات الامكان " ويصير من قبيل الموقت. ولا ريب في فواته بفوات وقته.
ومن اعتمد على الأخيرة، فله أن يقول بوجوب الاتيان بالفعل في الثاني، لان الامر اقتضى (1) باطلاقه وجوب الاتيان بالمأمور به في أي وقت كان، و إيجاب المسارعة والاستباق لم يصيره موقتا وإنما اقتضى وجوب المبادرة، فحيث يعصي المكلف بمخالفته، يبقى مفاد الامر الأول بحاله. هذا.
والذي يظهر من مساق كلامهم: إرادة المعنى الأول، فينبغي حينئذ القول بسقوط الوجوب.
أصل الأكثرون على أن الامر بالشئ مطلقا يقتضى إيجاب ما لا يتم إلا به شرطا كان أو سببا أو غيرهما مع كونه مقدورا، وفصل بعضهم فوافق في السبب وخالف في غيره، فقال: بعدم وجوبه. واشتهرت حكاية هذا القول عن المرتضى، رضي الله عنه وكلامه في الذريعة والشافي غير مطابق للحكاية. ولكنه يوهم ذلك في بادي الرأي، حيث حكى فيهما عن بعض العامة إطلاق القول بأن الامر بالشئ أمر بما لا يتم إلا به. وقال (2): " إن الصحيح في ذلك التفصيل بأنه إن كان الذي لا يتم الشئ إلا به سببا، فالامر بالمسبب يجب أن يكون أمرا به. و إن كان غير سبب، وإنما هو مقدمة للفعل وشرط فيه، لم يجب أن يعقل من مجرد
Página 60