الثالث (1) أنه لو شرع التأخير لوجب أن يكون إلى وقت معين، واللازم منتف. أما الملازمة، فلانه لولاه لكان إلى آخر أزمنة الامكان اتفاقا، ولا يستقيم، لأنه غير معلوم، والجهل به يستلزم التكليف (2) بالمحال (3)، إذ يجب على المكلف حينئذ أن لا يؤخر الفعل عن وقته، مع أنه لا يعلم ذلك الوقت الذي كلف بالمنع عن التأخير عنه. وأما انتفاء اللازم فلانه ليس في الامر إشعار بتعيين الوقت، ولا عليه دليل من خارج.
والجواب: من وجهين: أحدهما - النقض بما لو صرح بجواز التأخير، إذ لا نزاع في إمكانه. وثانيهما - أنه إنما يلزم تكليف المحال لو كان التأخير متعينا، إذ يجب حينئذ تعريف الوقت الذي يؤخر إليه. وأما إذا كان ذلك (4) جائزا فلا، لتمكنه من الامتثال بالمبادرة، فلا يلزم التكليف بالمحال.
الرابع قوله تعالى: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم (5) "، فان المراد بالمغفرة سببها، وهو فعل المأمور به، لا حقيقتها، لأنها فعل الله سبحانه، فيستحيل مسارعة العبد إليها، وحينئذ فتجب المسارعة إلى فعل المأمور به. وقوله تعالى: " فاستبقوا الخيرات (6) "، فان فعل المأمور به من الخيرات، فيجب الاستباق إليه. وإنما يتحقق المسارعة والاستباق بأن يفعل بالفور.
وأجيب: بأن ذلك محمول على أفضلية المسارعة والاستباق، لا على وجوبهما، وإلا لوجب الفور، فلا يتحقق المسارعة والاستباق، لأنهما إنما يتصوران في الموسع دون المضيق، ألا ترى (7) أنه لا يقال، لمن قيل له " صم غدا "، فصام: " إنه سارع إليه واستبق ". والحاصل: أن العرف قاض بأن الاتيان بالمأمور به في الوقت الذي لا يجوز تأخيره عنه لا يسمى مسارعة واستباقا (8)، فلابد من حمل الامر في الآيتين
Página 57