وعن الثالث: بعد تسليم كون الامر بالشئ نهيا عن ضده، أو تخصيصه بالضد العام وإرادة الترك منه، منع كون النهي الذي في ضمن الامر مانعا عن المنهي عنه دائما، بل يتفرع على الامر الذي هو في ضمنه، فان كان ذلك دائما فدائما، وإن كان في وقت، ففي وقت. مثلا الامر بالحركة دائما يقتضي المنع من (1) السكون دائما، والامر بالحركة في ساعة يقتضي المنع من السكون فيها، لا دائما.
واحتج من قال بالمرة بأنه إذا قال السيد لعبده: أدخل الدار، فدخلها مرة عد ممتثلا عرفا، ولو كان للتكرار لما عد والجواب: أنه إنما صار ممتثلا، لان المأمور به - وهو الحقيقة - حصل بالمرة، لا لان الامر ظاهر في المرة بخصوصها، إذ لو كان كذلك لم يصدق الامتثال فيما بعدها (2). ولا ريب في شهادة العرف بأنه لو أتى بالفعل مرة ثانية وثالثة لعد ممتثلا وآتيا بالمأمور به. وما ذاك إلا لكونه موضوعا للقدر المشترك بين الوحدة والتكرار، وهو طلب إيجاد الحقيقة، وذلك يحصل بأيهما وقع.
واحتج المتوقفون: بمثل ما مر، من أنه لو ثبت، لثبت بدليل، والعقل لا مدخل له، والآحاد لا تفيد، والتواتر يمنع الخلاف.
والجواب: على سنن ما سبق بمنع حصر الدليل فيما ذكر، فان سبق المعنى إلى الفهم من اللفظ أمارة وضعه له، وعدمه دليل على عدمه. وقد بينا أنه لا يتبادر من الامر إلا طلب إيجاد الفعل، وذلك كاف في إثبات مثله.
أصل ذهب الشيخ - رحمه الله - وجماعة إلى أن الامر المطلق يقتضى الفور والتعجيل، فلو أخر المكلف عصى. وقال السيد - رضي الله - (3) هو مشترك بين
Página 55