فنقول: لا نزاع في أن الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع، المستعملة في خلاف معانيها اللغوية، قد صارت حقائق في تلك المعاني، كاستعمال " الصلاة " في الافعال المخصوصة، بعد وضعها في اللغة للدعاء، واستعمال " الزكاة " في القدر المخرج من المال، بعد وضعها في اللغة للنمو، واستعمال " الحج " في أداء المناسك المخصوصة، بعد وضعه في اللغة لمطلق القصد. وإنما النزاع في أن صيرورتها كذلك، هل هي بوضع الشارع (1) وتعيينه إياها بإزاء تلك المعاني بحيث تدل (2) عليها بغير قرينة، لتكون (3) حقائق شرعية فيها، أو بواسطة غلبة هذه الألفاظ في المعاني المذكورة في لسان أهل الشرع، وإنما استعملها الشارع فيها بطريق المجاز بمعونة القرائن، فتكون حقائق عرفية خاصة، لا شرعية.
وتظهر ثمرة الخلاف فيما (4) إذا وقعت مجردة عن القرائن في كلام الشارع، فإنها تحمل على المعاني المذكورة بناء على الأول، وعلى اللغوية بناء على الثاني. و أما إذا استعملت في كلام أهل الشرع، فإنها تحمل على الشرعي (5) بغير خلاف.
احتج المثبتون: بأنا نقطع بأن " الصلاة " اسم للركعات المخصوصة بما فيها من الأقوال والهيئات، وأن " الزكاة " لأداء مال مخصوص، و " الصيام " لامساك مخصوص، و " الحج " لقصد مخصوص. ونقطع أيضا بسبق هذه المعاني منها إلى الفهم (6) عند إطلاقها، وذلك علامة الحقيقة. ثم إن هذا لم يحصل إلا بتصرف الشارع ونقله لها إليها، وهو معنى الحقيقة الشرعية.
وأورد عليه: أنه لا يلزم من استعمالها في غير معانيها أن تكون (7) حقائق شرعية، بل يجوز كونها مجازات.
ورد بوجهين: أحدهما: أنه إن أريد بمجازيتها: أن الشارع استعملها في
Página 35