وبالاسناد، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن محمد بن عبد الحميد، عن يونس بن يعقوب، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله، عليه السلام: " إن لي ابنا قد أحب أن يسألك عن حلال وحرام ولا يسألك عما لا يعنيه " قال: فقال لي: " و هل يسأل (1) الناس عن شئ أفضل من الحلال والحرام " (2)؟.
فصل الحق عندنا أن الله تعالى إنما فعل الأشياء المحكمة المتقنة لغرض وغاية.
ولا ريب أن نوع الانسان أشرف ما في العالم السفلي من الأجسام، فيلزم تعلق الغرض بخلقه، ولا يمكن أن يكون ذلك الغرض حصول ضرر له، إذ هذا إنما يقع من الجاهل أو المحتاج، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فتعين أن يكون هو النفع.
ولا يجوز أن يعود إليه سبحانه، لاستغنائه وكماله، فلابد وأن يكون (3) عائدا إلى العبد. وحيث كانت المنافع الدنيوية في الحقيقة ليست بمنافع، وإنما هي دفع الآلام (4)، فلا يكاد يطلق اسم " النفع " إلا على ما ندر منها، لم يعقل أن يكون هو الغرض من إيجاد هذا المخلوق الشريف، سيما مع كونه منقطعا، مشوبا (5) بالآلام المتضاعفة، فلابد أن (6) يكون الغرض شيئا آخر، مما يتعلق بالمنافع الأخروية. و لما كان ذلك النفع (7) من أعظم المطالب وأنفس المواهب، لم يكن مبذولا لكل طالب، بل إنما يحصل بالاستحقاق. وهو لا يكون إلا بالعمل في هذه الدار (8)، المسبوق بمعرفة كيفية العمل المشتمل عليها هذا العلم، فكانت الحاجة ماسة إليه جدا، لتحصيل هذا النفع العظيم.
وقد روينا بالاسناد السابق وغيره، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن
Página 24