97

» أو إلى بولزانو. وكنت أراك، آه كم كنت أراك! لقد خيم الليل على الجبال. أحب البحيرة، لكن الجبال تأخذ بمجامع قلبي وأسير مستغرقة غائبة.

قبل سنتين، كنا نقضي الليل في «برجام

Bergame ». بينما كنا عائدين إلى جنوة، كان أليندي

157

قد قتل. كنت تستريح في سريرك، وكنت أتأمل في الليل موكبا رائعا، شبه صامت، إلا من كلمات: أليندي، أليندي، شيلي حرة. كلمات كانت تضع حدا لصمت مطلق عجيب. وكان هناك مشاعل متباعدة تضيء لافتات حمراء عريضة كانت تمر. لا صراخ، ولا انحراف في الصفوف، ولا إشارات. كانوا يسيرون وكانوا يقولون: «أليندي، شيلي حرة.»

منذ سنتين وشيلي ليست حرة، في حين يتألم أربعة آلاف سجين في السجون ... ولكن سيأتي يوم ...

لم يبحث طه عن الشعبية قط، بل كان يحدث له أحيانا ألا يشجع الناس على ذلك. لكن الجميع كانوا يتحسسون استقامة هذه الحياة ولا شك في وضح النهار، وهذه الشجاعة المعنوية والجسدية، وهذه التصرفات الحرة الكريمة. ولم يحدث لي قط أن التقيت بإنسان بقي غير مكترث به؛ إذ بمجرد أن يقال له «السيدة طه حسين»، تبدو منه حركة خفيفة ونظرة سعيدة، فخورة إلى حد ما، تعبر مباشرة عن إعجاب لا حد له بالإنسان الذي أحمل اسمه.

بدأ يساعد طلبته ويساعد الشباب الذين كانوا يبدءون مهنة الكتابة أو التعليم، أولئك الذين كانوا ينسون في أوضاع لم تكن رواتبهم فيها تكفي حاجاتهم، أولئك، واللواتي خاصة، الذين كانوا ينتظرون زمنا طويلا جدا معونة لا غنى عنها. ما أكثر المقدمات التي كتبها لكتب الكتاب الجدد! وما أكثر الجهود التي كان يبذلها دون أن يقنط! ولأكن عادلة بحق المسئولين أيضا؛ فنادرا ما كانوا لا يلبون طلبه. إنني لا أعرفهم جميعا، فضلا عن أنه لم يكن يحدثني عن هذه الطلبات قط إلا إذا كان بوسعي أن أكون ذات فائدة.

كنت معه يوم جاءوا يطلبون إليه التوسط في أمر يستحيل تحقيقه على نحو مأساوي؛ فقد حكم على عدد من مرتكبي جرائم القتل بالإعدام. وقبل عدة ساعات من التنفيذ، عند العشية، كان ثمة امرأتان تلحان على مقابلة طه. كانت أم أحد المحكوم عليهم وأخته يرجوانه الحصول على عفو عن المسكين! وكان ذلك يمزق القلب. لقد كتب لي طه يوما: «هو ذا الألم الحقيقي: أن تكون لدى الإنسان الرغبة ولا تكون لديه القدرة.» لقد عانق بعض هؤلاء الرجال الجلاد الذي كان يتهيأ لإعدامهم والذي لم يكن يكرههم.

لاحقتني هذه الحادثة زمنا طويلا. لقد قال عبد الناصر لطه حين كان يحدثه عن إدانة الإخوان المسلمين: «صدقني، لقد مضت علي ليال عديدة لا أستطيع فيها أن أنام.»

Página desconocida