اليوم عيد ميلاد ابننا. سرعان ما أحب طه حتى العبادة هذا الصبي الذي منحه الكثير من الأفراح وفخرا يبقى رصينا على الدوام. لم يستطع أحد أن يجعل طه يضحك من أعماق قلبه مثلما عرف هذا الصغير الذي غدا بعد ذلك هذا التلميذ الجاد في معهد المعلمين العالي
156
بشارع «أولم
Ulm ».
وأتلقى من أمينة رسالة تحكي لي فيها عن إجازتها في اليابان. فقد رأت لدى سفير سابق لليابان في القاهرة، كان قد ظل صديقا لمؤنس، ترجمة يابانية لكتاب «الأيام» صدرت مؤخرا في حلة قشيبة كما تقول، مزينة بصورة جميلة لطه. كانت سعيدة جدا بذلك وكانت تعرف أنها تسعدني بما ترويه لي؛ فهذه الطفلة الرصينة جدا لم تكن تكشف عن مشاعرها. ومع ذلك فقد تركت نفسها تقول لي عندما كنت في باريس: «إنني (هي) الوحيدة في الأسرة التي لها يد أبي.» وكان ذلك حقا. فيداها رائعتان أكثر دقة، بالطبع، من يدي جدها الذي قيل لي عن يديه إنهما كانتا جميلتين.
أينما حللت يعذبني هذا الجو الرمادي الراكد. إني بلا شجاعة. كان الجو جميلا جدا قبل سنتين. لكن إرهاق طه كان كبيرا؛ كان يريد أن يكون ممددا على الدوام، وكان ذلك مخالفا لأوامر الطبيب. ولقد اضطررت لخوض معركة حقيقية لكي أجعله يبقى، ولكن لا لوقت طويل للأسف، مستندا إلى أهرام من المخدات، ومعركة أخرى ليبتلع عدة قطع من تفاحة كنت أقطعها له قطعا رقيقة جدا، وكانت أعصابه تثور كلما كان الراديو غير واضح الصوت، كما كان يتعب بسرعة عند القراءة. لكن هذه الساعات كانت ثمينة للغاية؛ ذلك أنه كان موجودا.
كان موجودا. هنا سمعته للمرات الأخيرة يقول لي من سريره: «عودي، عودي.» فقد كنت أبقى كل مساء حيثما كنا على الشرفة فترة من الوقت أتأمل الليل، وكان يخشى أن يؤذيني البرد عندما كنت أطيل البقاء. وكان يلح: «قلت لك: عودي، عودي.» وما زلت أتأمل كل مساء الجمال المثير لليل نقي جليل على الريفا، وأتوجع حين أصغي في أعماق قلبي لصوت الحنان الذي سكت.
11 سبتمبر 1975
كان المساء جميلا. سرت على درب «ترانتو»، وهو الدرب الذي يمر عبر «آركو
Arco » والذي كنا نسير فيه في أغلب الأحيان للذهاب إلى «بينزولو
Página desconocida