يحتفل بأول دفعة من خريجات الجامعة المصريات، وكان ذلك انتصارا للطفي ولطه اللذين كانا قد فتحا أبواب الجامعة
143
أمام المرأة المصرية. كان طه يقدم الأربعة الأوائل من حملة الإجازة في الآداب وسط عاصفة مدوية من التصفيق، وكنت أرى، في كل مرة كان يهتف فيها باسمه، وجوها لم تكن تكظم غيظها.
من بين المصاعب التي أثيرت في وجه دخول الفتيات للجامعة، كانت هناك صعوبة تؤلم لطفي كثيرا. فقد كان الدستور يعطي لكل مصري الحق في دخول الجامعة، ولكن اللفظ الذي ورد في النص كان مذكرا؛ ومن ثم، فهو لا يعني النساء. لكن طه دفع الأمر إلى الأمام شأنه دوما في مثل هذه الحالات قائلا: «ألا تعني كلمة «المصريون» مجموع سكان مصر؟!» فأجاب لطفي: «دون أي شك.» فقال طه: «إذن، ألا يعني ذلك النساء أيضا؟!»
وخلال الأسابيع الكئيبة التي قضاها في الإسكندرية، كانت السيدة هدى شعراوي
144
التي أرادت أن تعينني في لجنة السيدات في الاتحاد النسائي، لطيفة جدا إزائي وإزاء طفلي. كنا نقيم في فندق البوريفاج، وكان بيتها قريبا جدا؛ فكنا نلتقي كل يوم، ولم يمض يوم دون أن تبدي نحوي لفتة لطيفة. إن الصداقة التي كانت تمنحني إياها هذه السيدة النادرة، مثلما كانت تمنحني إياها أيضا سيدة أخرى نادرة هي زوجة الزعيم سعد زغلول
145
بسخاء وعفوية ستبقى لها في نفسي دوما ذكراها العذبة. وعندما أقول بعفوية، فإنني أعني ما أقول.
وكان النحاس باشا الذي كنت بالكاد أعرفه، يقوم بزيارتي كلما حضر إلى الإسكندرية، ويحمل لي معه أخبارا عن طه. وفي أحد الأيام، وكان حضوره يقلب الفندق عاليه سافله كالعادة. كتبت إلى طه: «فجأة كان المصريون يختفون كأنما سقطوا في فخ، في حين كان يبدو لي وكأن عدد الخدم قد تضاعف.»
Página desconocida