لن تصدقيني لو قلت لك إنني أعجب لنفسي كيف أكتب كل يوم، تماما كما كنت أكتب ل «الكوكب» السخرية ذاتها والتهكم ذاته. هذا على الرغم مما أعانيه من أجل أولئك الذين أدافع عنهم وضد أولئك الذين أهاجمهم.
وكانت الهموم العائلية تختلط بهذه المصائب؛ فقد كان لا بد من إرضاء الأبوين العجوزين اللذين كانا يائسين من التصرفات السيئة لابنين أخرقين كانا يكدراننا نحن أيضا. وكان لا بد من التدخل ماليا برغم القليل مما نملك! وكان لا بد له، بعد تعب الصحيفة وما تسببه الحرارة من إنهاك أيضا أن يبذل جهدا مضنيا ليضع نفسه في جو همومهما، وأن يتظاهر بقبول الطريقة التي يعللان بها الأمور والتي يتخذان بها مواقفهما. وكان يحدث لنا بعد كل شيء أن نرضيهما فيذهبا مسرورين، «لكن - كما كان يقول - ما أشد ما كان ذلك يؤلمني!»
كان لا بد لشيء آخر أن يؤلمه أكثر، وأن يؤلمني كذلك بقدر ما كان يؤلمه. فقد حدث لنا شيء مذهل أطلق هو نفسه عليه وصف «الشيطاني»: كان تعسا بسببي. فقد وقع، نتيجة الإرهاق والمرض والوضع الفاجع وتمسكه في عزل نفسه عن الناس، فريسة إحدى النوبات السوداء المخيفة التي ما أكثر ما عرفتها! كان إذ ذاك يحبس نفسه وراء صمت شرس مخيف، كما لو أنه سقط في أعماق حفرة لا يستطيع أي شيء على الإطلاق أن ينتزعه منها. كانت حياتي تبدو لي قد توقفت، وانسحقت بلا أمل في مواجهة عزلة مطلقة يفرضها على نفسه، ورفضه العنيد سماع أقل كلمة تريد أن تحاول معونته. قلت له يوما: «لماذا تبعد نفسك عني؟!» فكانت هذه الكلمة مثار الأزمة.
كنت أنا الأخرى كئيبة؛ فقد كان يبدو ظالما قاسيا. ولا شك أنني كنت أنا الأخرى مثله أيضا . ويكتب لي: «أكان علي إذن أن أتألم في حبي أيضا ... إننا نؤلم بعضنا كثيرا. ولم أتصور على الإطلاق أمرا على هذه الدرجة من الشيطانية يسعه أن يتدخل فيما بيننا. فلنرحم أنفسنا. إن أقل شيء يمسني يزلزلك أنت، أنت معنى حياتي، إذن ما الذي يحدث لنا؟! اطويني في جناحك كما كنت تفعلين دوما؛ فلقد أبادتني رسالتك.»
وكنت قد كتبت له: «قلبك الضعيف ومصيرك، كانا لي وسيبقيان. لكن، فلنكف عن أن نتعلل بوهم أن حناني وابتسامتي سيضيئان لك الطريق أبدا.»
لكن الحب كان مع ذلك ثابتا. ويكتب:
أظن أنني سأظل كما أنا بعد كل شيء من أجلك وبفضلك. أسألك الغفران بإخلاص عن كل ما سببته لك من أذى. لكن لا تتألمي لوحدك؛ فأنا ما زلت قادرا على التألم معك؛ لأنني لست بعيدا عنك ... ولو استطعت لأخذت أول قطار كي آتي به إليك وأواسيك، لكني لا أملك الحق في صرف خمسة أو ستة جنيهات في هذا الوقت.
هل أستطيع أن أمنع نفسي من البكاء وأنا أنقل هذه الكلمات؟ لقد كان هذا القلب يستحق كل سعادة الأرض لو أن السعادة كانت توهب لمن يستحقها!
ومر الأسبوع البغيض، وهدأ كل شيء، ولم يكن يفكر إلا بمواساتي:
أمنعك من أن تكوني حزينة، وآمرك بالابتسام. لا تقولي شيئا. أعرف ما ستقولين وأعرف أن علي أن أستفيد من الدروس التي أوشك أن أعطيها. حسنا، حسنا، سوف أستفيد منها. أما الآن، فتعالي إلى ذراعي. أحبك حتى نهاية الحساب.
Página desconocida