عاد سعد زغلول
56
إلى القاهرة ليجدها مدينة هائجة تماما؛ فقد كان التجول ممنوعا في مركز المحطة وفيما حولها؛ فلا ترام ولا قطارات، وكل المتاجر مغلقة. وبما أنني كنت منعزلة في شقتنا البعيدة في حي السكاكيني، فلم أكن لأرى من ذلك شيئا ذا أهمية، لكنني كنت أعرف أن الشوارع كانت تدوي بهتاف جنوني، وأن القاهرة كانت تزدان في المساء بأنوار باهرة.
وفي شهر أبريل، استثار تشرشل سخطا عنيفا عندما قال إن مصر جزء من الإمبراطورية البريطانية، ولكي يزيد الطين بلة أعلن عن زيارته لها! وفي الأشهر التالية، كان ثمة اضطرابات تكاد تكون انتفاضات شعبية. وقد دام إضراب الترام الذي زاد من عزلتنا شهرا كاملا.
كان طه آنئذ يؤمن بحكمة سياسة الأحرار الدستوريين؛ فقد كان له في حزب الأحرار الدستوريين أصدقاء أعزاء من بينهم ثروت باشا،
57
وآل عبد الرازق. وكان ذلك يؤثر فيه ولا شك. كان يكتب في صحيفة الحزب، وكان يعمل بالطبع عن قناعة وبضراوة كانتا تميزانه في كل ما يعمله.
كنا نسكن في شارع الحواياتي على وجه التحديد عند ولادة ابننا الصغير.
58
لقد ذهلت أمينة إزاء هذه المعجزة؛ معجزة الأخ الصغير. أما طه فقد كان متحفظا في البداية - إذ كان يتمناه طفلة ثانية - ثم أخذ يهتم به كما يهتم بأخته في لحظات حريته النادرة.
Página desconocida