ولنتخيل طه في دلف، محمولا ألفي عام إلى الوراء، في غمرة هذا العالم الهيليني الذي أحبه دوما. وإني لأشك في أنه، إذ وجد نفسه في المدرج الكبير الذي كان يرقص فيه الراقصون بثيابهم الزاهية القصيرة لنا وحدنا، ويتمايلون بلطف وخفة؛ أقول: أشك في أنه كان يصغي لوقع خطواتهم، أو لإيقاع الموسيقى والأغنيات ... فربما كان يعيش مع «بيثي
».
أما أنا، وقد كنت طائشة دوما إلى حد ما، فقد كنت أنعم النظر طويلا عند مدخل الملعب في العلامة المطبوعة على الحجر، التي خلفتها أقدام العدائين الذين كانوا ينطلقون في سباقهم من هناك. في المساء، نزلنا حتى البحر، وحاذى طه على الشاطئ رجلا عجوزا حياه، مناديا إياه بالشاعر، ولعله هو الآخر واحد من الشعراء المنشدين القدامى العائدين. كانت الجبال من الجانب الآخر من خليج كورنيثه لا تزال مغطاة بالثلوج.
واستقبلنا الملك بول والملكة فريديريكا لتناول طعام الغداء، ولم يكن معنا سوى سفيرنا وضابط من القصر، وتحدثنا بطلاقة وبصورة عائلية تقريبا في القاعة الزرقاء المؤدية إلى غرفة الطعام.
247
وسألت الملكة طه من هو موسيقاره المفضل، فأجاب: باخ. فصفقت الملكة بيديها قائلة: «كنت على ثقة من ذلك!»
وببساطة متناهية، بل أكاد أقول بطيبة متناهية - إذ إنه كانت ثمة طيبة في سلوك هذا الإنسان - قلد الملك طه صليب العنقاء الأكبر.
على أن الشيء الهام كان احتفال الجامعة؛ لقد كان باهر الجمال. كان الطلاب والطالبات من حولنا يشكلون موكبا طويلا، ولعل صورة بالاس أثينا التي تطل على المنصة قد أوحت ولا شك لطه الذي كان في منتهى الانفعال؛ فلقد ألقى خطابا مؤثرا إلى الحد الذي رأيت فيه الدموع تترقرق في كثير من العيون بما في ذلك عيون جنرال عجوز.
كان هناك واحد من الحاضرين لم يكن مسرورا، وأعني به سفير تركيا. لقد كان طه يتألم دوما - دون أن يعاني ذلك بنفسه - من التصرفات التي مارستها الإمبراطورية العثمانية في مصر خلال قرون، هذا فضلا عن أن هذا الاحتفال كان يقام على إثر الاحتفال باستقلال الشعب اليوناني. واستاء السفير التركي من جملة لم تكن - لوجه الإخلاص والأمانة - فظة، غير أن عدلي أندراوس أخذ على عاتقه أمر إقناعه بذلك.
وغمرنا مضيفونا بالعناية، ولم يكن أقلها رقة أن عرضوا علينا فيلما مستوحى من كتاب طه «الوعد الحق».
Página desconocida