جاء إليه الحاج علي «اليسيرجي» تاجر الرقيق ذات مساء وأفضى إليه سرا بأنه قد جلب من بلاد الجركس فتاة لا تزيد على الثامنة عشرة، ولكنها كانت ذات مفاتن لا يمكن وصفها. وما كاد عمر بك يسمع بذلك حتى بادر بالذهاب مع الحاج علي إلى الوكالة بغير أن يفكر طويلا؛ لأن وصف الرجل للفتاة جعله يخشى أن تفوته الفرصة، ولا سيما عندما ذكر له أن أحد المماليك رآها عنده وذهب إليه منذ ساعة يساومه في ثمنها. ولم يأخذ معه أحدا من المماليك؛ لأن الليلة كانت مظلمة ولا يمكن أن يتصور أحد أنه يسير بمفرده في عطفات المدينة في مثل تلك الساعة. وركب جواده، وسار اليسيرجي على بغلته من ورائه، وفي ساعة قصيرة كانا في الوكالة. وهناك دخل عمر بك إلى الفناء الفسيح وأخذ يقلب بصره في أبواب الغرف المحيطة به، إذ كانت كل جارية تتمدد أمام باب غرفتها على أريكة مكسوة بالحرير تنسدل على جانبيها ستارتان من الأطلس الملون، وكانت الأضواء تنبعث من القناديل النحاسية المدلاة من سقف الرواق فتلقي أشعتها الخافتة على الألوان المختلفة الزاهية وتخلع على وجوه الفتيات ألوانا سحرية.
وأشار الحاج علي إلى الغرفة التي في صدر الفناء، فذهب الأمير نحوها ورأى هناك حوراء لم تقع عينه على مثلها من قبل. وماذا يستطيع الوصف أن يحمل في مثل هذه الألفاظ حتى يرسم صورة صادقة لتلك الفتاة الساحرة؟ ولما وقعت عليها عين الأمير ضمت غلالة ثوبها على صدرها في حياء، وأطرقت في خفر، فانسدل شعرها الفاحم يتدفق على كتفيها. أيوصف وجهها بأنه يشبه زهرة؟ أو يوصف جسمها بأنه يشبه دمية؟ عندما نظر إليها عمر بك خيل إليه أن بساتينه تخجل من محاسنها إذا خطرت بين أحواض زهرها، وأن عبير أنفاسها يزري بعبير المسك والعنبر. وسألها عمر بك عن اسمها فلم تجب، وقال له الحاج علي: لم تتعلم العربية بعد، وقد سميتها «جلنار».
فتبسم له الأمير قائلا: اطلب ما تشاء ثمنا لها.
وانصرف عائدا ليأمر بإعداد البيت الذي يليق بحسناء مثلها، ولكنه ما كاد يبلغ باب الوكالة حتى رأى مملوكا شابا يقبل نحو الحاج علي ويقول له: لقد دبرت لك الثمن الذي تريده.
فبهت الشيخ ولم يجبه، ونظر في جزع إلى الأمير.
ولم يتوقع عمر بك أن يفاجأ بمملوك شاب مثله يأتي في تلك الساعة لينافسه، فأراد أن ينصرف واثقا أن الفتى لا يمكن أن يتطلع إلى مثل تلك الجوهرة النفيسة. ولكن الشاب أدرك من نظرة الشيخ ومن صمته أن في الأمر شيئا، فصاح قائلا للشيخ: ها هو ذا الثمن الذي طلبته.
فقال الشيخ بغير احتراس: انتهى الأمر وبعتها.
فصاح المملوك في غضب: أيها النحس!
وارتد إلى الوراء قابضا على سيفه وقال يخاطب الأمير: ألم يقل لك إني اشتريتها؟
فنظر عمر بك إليه ولم يجبه، ولمح على وجهه ما جعله يتردد. كان وجه ذلك المملوك يدل على أنه شاب متهور لا يتردد في أن يخوض معركة.
Página desconocida