وجال بين الكثبان مطرقا يناجي خواطره المضطربة، فلم يعد إلى نفسه حتى علت الشمس فوق الأفق، فتلفت حوله ليرى موضعه من منازله، فما راعه إلا أن رأى على الأفق الجنوبي سوادا يتحرك. فوقف ينظر إليه ذاهلا لا يدري ماذا يكون ذلك المقبل الجديد، ثم عاد إليه وعيه شيئا فشيئا، وفتح عينيه من الدهش والرعب. فقد كان ذلك السواد بغير شك جيشا عظيما يثير حوله سحابة من الغبار يغمرها ضوء الصباح.
فعاد مسرعا إلى الحي وقصد إلى منازل ابن عمه شكر، وناداه في فزع وانتحى به في ناحية ليخبره عن ذلك الجيش الذي طلع به اليوم الجديد.
وأسرعا معا نحو خيام السلطان.
ومضت لحظات طويلة قبل أن يخرج إليهما السلطان من خيمته، إذ كان يصلي الصبح قضاء بعد هجعة نوم ثقيل. فتقدم نحوه الأمير حسن وحياه تحية قصيرة ثم أنبأه باقتراب جيش الأعداء.
وقال له في آخر الحديث: فليس لك يا مولاي إلا أن تحتال لنفسك، ولا تخاطر بالبقاء في وجه هذا الجيش الكبير.
فقال السلطان ثابتا: أتريد أن نسير عن جوارك أيها الأمير؟
فأدرك الأمير ما في سؤال السلطان من لوم، وبادر قائلا: إذا شئت يا مولاي أن تبقى فنحن معك. ليس علينا إلا أن نموت معك إذا شئت أن تجعل الوقعة الأخيرة هنا.
فأطرق طومنباي مليا، ثم نظر حوله نحو خيام أتباعه القلائل، وقال في صوت متهدج: ليس لي أن أتحكم في مصير هؤلاء؟
ثم أعلى صوته قائلا للأمير البدوي: لم ألجأ إليك يا صديقي لأجر عليك وعلى قومك الهلاك، وقد صدقت في نصحي إذ أشرت علي ألا أواجه هذا الجيش.
فقال حسن: إذا شئت يا مولاي فاخرج إلى البراح وأوغل في الصحراء، فإن الجيش لن يستطيع اللحاق بك في هذه القفار.
Página desconocida