فهمس لها قائلا: انتظري معجزة آمون.
وأشار بإصبعه إلى شفتيه يأمرها بالتزام الصمت، ثم مضى عنها في هدوء. وكانت حاتاسو مؤمنة طيبة القلب، فخرجت مسرعة تكاد تثب في سيرها، واخترقت الحديقة الفسيحة التي حول المعبد ثم سارت في الطريق مهرولة حتى وصلت إلى بيتها، وذهبت إلى مخدع ولدها فوجدته على سريره حزينا مثلما تركته. فأسرعت نحوه باسمة، وارتمت عليه وضمته إلى صدرها قائلة في صيحة مكتومة: «انتظر يا ولدي معجزة آمون.»
ثم رفعت إصبعها إلى شفتيها تأمر ولدها بالانتظار والصمت.
واقترب يوم الزفاف قبل أن تحدث المعجزة، ثم تمت رسوم الاحتفال بالعقد المقدس الذي سوف يربط مريي وتويا، وتحركت طيبة تستعد للاحتفال الباهر، وأعد علية القوم من رجال ونساء أبدع الملابس الزاهية من الكتان الملون، استعدادا لمشاركة السيد العظيم مريي في احتفاله. ولم تستطع حاتاسو نفسها أن تمتنع عن الاستعداد لإجابة الدعوة. وحل يوم الزفاف آخر الأمر، وذهب الجمع إلى المعبد، وكانت حاتاسو تحس كأنها تحمل في صدرها عبئا ثقيلا عندما تركت ولدها ستنامر في فراشه حزينا لتذهب إلى الاحتفال، وهي تكاد تكفر بآمون الذي وعد بالمعجزة ولم يستطع الوفاء بوعده.
ومالت الشمس نحو الغرب، وصبغت أرجاء الأفق بألوان القرمز والذهب واللهيب. وسار مريي في موكبه العظيم إلى المعبد، وكان يركب عربته الحربية في الطليعة، وقد لبس سلاحه كاملا، ووقف ممسكا بأعنة الجياد ناظرا إلى الأمام جامدا، فاتحا عينيه الزرقاوين الباردتين، لا يلتفت إلى يمين ولا إلى يسار. وكانت العامة من الشعب مصطفة على جانبي الطريق تنظر إلى الموكب الباهر في صمت ووجوم.
ودخل مريي أخيرا إلى المعبد رافعا رأسه في كبرياء، وذهب نحو قدس الأقداس ليلقى الكاهن الأعظم. ولكنه ما كاد يبلغ الباب المؤدي إلى المحراب حتى اعترضه رسول فرعون ومد إليه يده بطومار من ورق البردي، ثم انحنى ووقف ينتظر في خشوع حتى يقرأ القائد العظيم خطاب فرعون. وفض مريي ختام الطومار الذهبي، ثم قرأ ما فيه وكانت عيناه تزيدان اتساعا وقسوة كلما قرأ سطرا بعد سطر. حتى إذا فرغ من قراءة الخطاب ارتعشت يداه وسقط من بينهما لفافة البردي إلى الأرض. فانحنى الرسول ورفعها ووضعها عند رأسه، ثم دسها في منطقته الفضية.
ثم بسط يده مشيرا إلى مخدع قدس الأقداس وقال مخاطبا مريي: هل لسيدي القائد العظيم أن يتقدم مطيعا أمر فرعون؟
فنظر إليه مريي نظرة ثائرة، والتفت حوله لفتة سريعة، ثم تقدم في حنق سائرا نحو المخدع المظلم الذي فيه قدس الأقداس.
وذهب رسول فرعون وراءه حتى دخل، ثم أغلق خلفه الباب قائلا: لن تغيب عنك أوامر فرعون العظيم يا مولاي.
ثم ضم الرتاج النحاسي الثقيل ومضى عائدا نحو ساحة المعبد حيث كان الضيوف ينتظرون، فقال لهم بصوت هادئ: إن مريي ينتظر أمر فرعون. إنه خائن يستحق العقاب!
Página desconocida