جلس ستنامر في مؤخرة القارب يفكر في تلك السنوات التي مرت به، وكان بين حين وآخر يتنفس نفسا عميقا ويفيق إلى نفسه فيبتسم ابتسامة ضئيلة، ويقول لنفسه: ما هي إلا أيام قليلة أخرى ثم أجتمع بالأحباب.
ومضت الأيام بطيئة، ثم ظهرت له أخيرا عند الأفق قبل المساء جزيرة كأنها تسبح طافية فوق الماء، وكان النخيل الباسق يصعد من سطحها ضاربا في السماء برءوسه ويتمايل في رشاقة مع هبات النسيم. وكان ستنامر يعرف هذه الجزيرة منذ الصبا، فلقد طالما اصطحبه أبوه الأمير «أمنمرى» للصيد فيها بعد هبوط مياه الفيضان.
وجعل يتأمل حسن منظرها وقد كساها العشب والشجر الملتف، وعادت إليه ذكرى الصبا الحلوة كأنها ذكرى الأمس القريب.
وفيما كان غارقا في تأمل صور ذلك الماضي سمع ضجة النوتية وهم يصيحون: «معبد آمون!»
فأسرع خارجا من تحت المظلة ووقف ينظر إلى المعبد المشرف على النهر، وخشع قلبه عندما اتجه بالصلاة إلى آمون.
وكان البدر يقترب من كبد السماء عندما وصل ستنامر إلى قصر أمه وألقى نفسه بين ذراعيها.
وأخذت الأميرة «حاتاسو» أم ستنامر تقص عليه أخبار السنوات الثلاث التي مضت ، وكانت الأخبار كلها تثير نفسه، فما أعجب تقلب أمور الحياة وأسرعها! كان بعيدا يذرع الأرض من المشارق إلى المغارب، وكان الأهل والصحب جميعا مقيمين في العاصمة الكبرى، ولكن اضطرابه في الآفاق لم يكن بأعظم من اضطرابهم مع صروف الأيام. أما الصغير فقد كبر، وأما الكبير فقد مضى عن الأرض، وأما المال فقد تداولته الأيدي كما يتلقف الصبية الكرة بعضهم من بعض. كل شيء يتبدل ويتغير، سوى «رع» الخالد «حورماخيس»، فهو دائما يشرق كل صباح على الأرض ويغرب كل مساء ذاهبا إلى العالم الآخر في إقليم «يارو». وأخيرا سأل ستنامر أمه عن تويا؛ لأن أمه لم تذكر شيئا عنها.
ونظرت الأم نحوه في فزع عندما سمعته يسألها عن الفتاة في لهفة يشوبها شيء من الضجر. كان ذلك السؤال صدمة أصابت الأم فجأة على غير انتظار فزعزعتها ... فسكتت لحظة وأرادت أن تحول عينيها عن نظراته، ثم قالت بصوت خافت حاولت أن تمسك زمامه: تويا بخير يا ولدي.
ولكن ستنامر أعاد سؤاله في إلحاح قائلا: كيف حالها يا أماه؟ خبريني! هل من شيء أصابها؟ إنك بغير شك تخفين شيئا من أخبارها عني.
فبادرت الأم ومدت يدها إلى رأسه تمسحه وقالت في تردد: بل هي بخير يا ولدي ...
Página desconocida