ولما صار الملك وحده مع الكاهن استلقى خائرا على كرسي في جانب المذبح، ورمى عصاه الذهبية، وأن أنة ضعيفة بصوت لا يكاد يسمع، فقال له الكاهن بصوت رقيق: أي بني، شملتك رحمة آمون ...
وكأن هذه الكلمة قد نفست عن مرجل فوار، فما كاد الشاب يسمعها حتى انفجر قائلا: أيها الشيخ، أمسك عن هرائك. فنحن هنا وحدنا لا يسمعنا غير الحق. والناس جميعا من وراء هذا المصراع لا يسمعون.
فقال الكاهن في هدوء: أعرف أننا هنا وحدنا يا زوج ابنة الآلهة، يا وارث الفراعين. وأعرف أن الحق يسمعنا؛ ولذلك أطلب لك رحمة آمون.
فصاح الشاب في غيظ: أما كفاك أنني تحملت ما تحملت من الأكاذيب في ملأ الناس؟ أما كفاك أنني كتمت ما في نفسي وخالفت قلبي وأحنيت رأسي لهذا التمثال الأصم؟
فقال الكاهن وفي صوته هزة خفيفة: إنك يا بني ما زلت شابا، وقد يغتفر للشاب أن يشك. ولكن هذا التمثال رمز الحق.
فصاح توت في غيظ: إنني لا أشك أيها الشيخ، إنما أنطق بعقيدة لن تستطيع أن تزيلها من قلبي، هي عقيدة الحق الذي لم يعرفه سوى الملك الأعظم أمنحتب «أخناتون» الذي تسمونه المجرم.
فتراجع الكاهن إلى الوراء وقال في صيحة مكتومة: أما زلت تذكر المجرم أخناتون؟ ألم توافق على نبذ إلهه المزيف؟ ألم تتزوج من الأميرة «عنخ سنب»؟ أما سميت نفسك «توخ عنخ آمون» ورضيت أن تلعن المجرم في ملأ من الناس؟
فصاح «توت» غاضبا: نعم رضيت، وهذا ما يجعلني أمقت نفسي. رضيت لأنني لم أجد بدا من الرضا. إنني هنا لا أنطق إلا بالحق لأن كتمانه يعذبني. أتريدني على أن أخادع نفسي وأنا في خلوتي هنا؟
قل الحقيقة سافرة أيها الشيخ. قل إنك تطلب مني أن أطيعك أنت. قل إن «آي» الكاهن الأعظم قد انتصر، وإنه يأمر «توت» الصغير أن يذعن له. ليس هو آمون الذي يريد مني الإيمان به، بل هو أنت الذي تطلب مني أن أخضع لك. أنت «آي» الذي تطلب مني أن أعبدك وليس آمون ذلك التمثال الأصم.
وكان الشيخ يسمع هذه الصرخات الغاضبة وهو فاتح عينيه في حنق يحاول أن يخفيه. فلما انتهى الشاب قال الكاهن بصوت خافت: ثم ماذا؟ ...
Página desconocida