Con los Árabes: En la Historia y la Mitología
مع العرب: في التاريخ والأسطورة
Géneros
ولقد وضع رسام مكسيكي عصري لوحة، فجعل فيها جماهير يواجهون، بعيون تعبة مكدودة وثياب بالية، نفرا يقبضون على عصي مقمعة بالفضة، وسلاسل الذهب تلمع على صدورهم، والجماهير فئتان: فئة تمد أيديها ضارعة مستعطية، وفئة تهز قبضاتها ساخطة مهددة.
وعروة، في شعره، كذلك الرسام في لوحته، قسم الصعاليك إلى طائفتين: فطائفة ترتاد المنازل التي تذبح فيها الذبائح فتكتفي بنهش ما يلقى لها من عظام، وطائفة ذات بأس وإباء تنقض فتغتصب رزقها اغتصابا.
وعاش عروة رئيسا للطائفة الثانية من الصعاليك، عاش زعيم عصابة يضرب بها في الآفاق غازيا، فيتناول أموال الموسرين ويقسمها بين أتباعه، حتى سمي عروة الصعاليك، وأبا الصعاليك.
قال الراوي: وما أخلقنا هنا أن نرجع إلى صاحب الأغاني، فنتكئ على حديثه. روى أبو الفرج أن عروة كان في قوم إذا أجدبوا تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، فكان عروة يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته، في الشدة، فيعنى بهم ويقيم لهم نفقا تحت الأرض يأوون إليه، أو يضرب عليهم حظيرة من شجر تقيهم قرص الريح والبرد، فمن قوي منهم، كأن يكون مريضا فيبرأ أو ضعيفا فتثوب قوته، خرج به فأغار وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة، ألحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، فاتفق أن ضاقت بعروة الحال في بعض السنين فأنشد:
لعل ارتيادي في البلاد وبغيتي
وشدي حيازيم المطية بالرحل
سيدفعني يوما إلى رب هجمة
يدافع عنها بالعقوق وبالبخل
فزعموا أن الله قيض له، وهو مع قوم من صعاليك عشيرته، في شتاء شديد، ناقتين دهماوين، فنحر لهم إحداهما، وحمل متاعهم على الأخرى، وجعل يتنقل بهم من مكان إلى آخر، فنزل بهم بموضع يقال له ماوان، ثم إن الله قيض له رجلا صاحب مائة من الإبل قد فر بها من حقوق قومه، وذلك أول ما ألبن الناس، فقتله وأخذ إبله وامرأته، وكانت من أحسن النساء، فأتى بالإبل أصحاب الحظيرة ممن خلفهم وراءه، فحلب النياق لهم وحملهم عليها، حتى إذا دنوا من عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم، وأخذ مثل نصيب أحدهم، فقالوا: لا واللات والعزى، لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا، فمن شاء أخذها، فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع الإبل منهم، ثم يذكر أنهم صنيعته، وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان صنع، فأفكر طويلا، ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله، فأبوا ذلك عليه حتى تطوع رجل منهم، فجعل له راحلة كانت من نصيبه.
قال الراوي: فما كان أعظم عروة يطيق هذه الإطاقة من معشر أحسن إليهم هذا الإحسان، ولم يقابلهم بغير شعر نظمه فيهم، فزعم أنهم - أولا وآخرا - ناس كالناس حين يمرعون ويتمولون.
Página desconocida