الأمر كله يرجع إلى ما رددت إليه بؤس أبي العلاء ويأسه، وهو هذه الكبرياء العقلية التي تلغي ما سوى العقل، وتقف الثقة كلها على العقل، فهل من الحق أن العقل جدير بكل هذه الثقة، وأن أحكامه جديرة بهذه الطمأنينة التي تدفعنا إلى اليأس المسرف في الطغيان، أو إلى الأمل المسرف في التهالك على اللذات والآلام؟ ومع ذلك فأبو العلاء نفسه يعترف بقصور العقل وحيرته، وعجزه عن القضاء في كبار المشكلات.
فاقرأ قبل كل شيء هذه الأبيات التي يصور فيها الشيخ بؤسه ويأسه تصويرا هادئا، ولكنه مؤثر لطيف المدخل إلى النفس:
عيون العالمين إلى اغتماض
وأبصار النجوم سيغتمضنه
وقد سر المعاشر باقيات
من الأنباء سرن ليستفضنه
أرى الأزمان أوعية لذكر
إذا بسط الأوان له نفضنه
قد انقرضت ممالك آل كسرى
سوى سير لهن سينقرضنه
Página desconocida