61

Mabsut

المبسوط

Editorial

مطبعة السعادة

Ubicación del editor

مصر

اغْتَسَلَتْ مِنْ إنَاءٍ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقَالَتْ إنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَقَالَ ﵊ «الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ»، وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الرَّجُلِ» شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. (وَإِذَا نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ، وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ حَتَّى صَلَّى لَمْ يُجْزِهِ)، وَهُوَ عِنْدَنَا الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُنَّتَانِ فِيهِمَا، وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فَرْضَانِ فِيهِمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الِاسْتِنْشَاقَ دُونَ الْمَضْمَضَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمُوَاظَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهَا فِي الْوُضُوءِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ كَانَ يُوَاظِبُ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى مَا فِيهِ تَحْصِيلُ الْكَمَالِ كَمَا يُوَاظِبُ عَلَى الْأَرْكَانِ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ بِتَطْهِيرِ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ لَا تَجُوزُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ، وَعَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْأَعْرَابِيَّ الْوُضُوءَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِيهِ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦]، وَالْإِطْهَارُ إمْرَارُ الطَّهُورِ عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ الْبَدَنِ، وَالْفَمِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ابْتَلَعَ بُزَاقَهُ لَمْ يَضُرَّهُ، وَبِدَلِيلِ الْوُضُوءِ فَالْفَمُ، وَالْأَنْفُ مَوْضِعُهُمَا الْوَجْهُ، وَالْغُسْلُ فَرْضٌ فِيهِمَا. وَبِدَلِيلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَضْمَضَةٌ، وَلَا اسْتِنْشَاقٌ، وَإِمَامُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ فَإِنَّهُ قَالَ: هُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ، وَقَالَ ﷺ «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ أَلَا فَبُلُّوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ»، وَفِي الْفَمِ بَشَرَةٌ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْبَشَرَةُ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَقِي اللَّحْمَ مِنْ الْأَذَى، وَقَالَ ﷺ «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ فِي الْجَنَابَةِ عَذَّبَهُ اللَّهُ بِالنَّارِ» كَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْت شَعْرِي، وَفِي الْأَنْفِ شَعَرَاتٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَيْنِ حُكْمُ الظَّاهِرِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى إذَا أَخَذَ الصَّائِمُ الْمَاءَ بِفِيهِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَحُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا قَالَ فَفِيمَا يَعُمُّ جَمِيعَ الظَّاهِرِ أَلْحَقْنَاهُ بِالظَّاهِرِ، وَفِيمَا يَخُصُّ بَعْضَهُ أَلْحَقْنَاهُ بِالْبَاطِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ بَعْضَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَفْوًا فَمَا هُوَ بَاطِنٌ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَحِلُّ الْفَمَ، وَالْأَنْفَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْجُنُبَ مَمْنُوعٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَالْحَدَثُ لَا يَحِلُّهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَفِي غُسْلِ الْمَيِّتِ سُقُوطُ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلتَّعَذُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ كَبَّهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْمَاءُ مِنْ فِيهِ، وَبِدُونِهِ يَكُونُ سُقْيًا لَا مَضْمَضَةَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى إذَا قَهْقَهَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ

1 / 62