Debates Científicos y Sociales
مباحث علمية واجتماعية
Géneros
فقال الصوت: «مهلا أيها المعجب بجنانه، المغالي بقوة برهانه وحسن بيانه، المدعي القوة والضعف ملء جوارحه، والمتظاهر بعدم الخوف والجبن ملء جوانحه. يدل على ذلك ما أتيته من الإسراع في الدفاع، قبل أن تعلم حقيقة الصوت أيها المرتاع. فأنت ما زلت بعيدا عن هول يوم الموقف، فأبق دفاعك إلى ذلك اليوم، إن كنت ترجو فيه من منصف.»
فقلت: «من أنت إذن أيها الصوت الذي أشكل علي أمره، وعظم لدي سره؟» فقال الصوت: «أنا صوت الشعور العام.» وتهيأ لتتمة الكلام، فأصابتني رعدة خلتها القاضية على حياتي، وأرتني مماتي قبل يوم مماتي، ثم أفقت وإذا أنا في عالم تحار في وصفه العقول؛ لأنها لم تألف فيه من المناظر، وتقصر دونه الألفاظ والمعاني؛ لأن معانيه لم تمر من قبل بخاطر. فأخذت أمسح عيني لأجلو بصري، وأنا لا أحس بيدي، ولا أهتدي إلى عيني، وأفرك جبيني كي أستحضر فكري، وأنا لا أهتدي إلى جبيني. فقلت: «ما هذا أيها الدليل؟ أهدى ما أرى أم تضليل؟ فأنا أشعر بنفسي أني موجود، ولكن أين أنا من الوجود؟» فقال الصوت: «أنت قد قطعت الآن عالم الكائنات، ودخلت في العالم الأول من عالم القوات» (المشير).
إلى هنا وصل الدكتور في مقالته، ثم أصابه الحدار، كما أصاب فخذ يعقوب من قبل.
وفي عدد 24 يوليو نشرت في المشير جواب الدكتور شميل على كتاب أرسلته إليه أسأله فيه إذا كان حاقدا علي، وأسأله أن ينجز المقالة، وهذا نصه:
مصر، في 18 يوليو سنة 1899.
حضرة الفاضل صاحب المشير المحترم.
أخذت كتابك. أما أنا فغير حاقد عليك لسرقتك لي، والسرقة جائزة إذا لم تكن مضرة، وإذا نفعت مع ذلك فهي لا تعد جريمة كما يعدها القانون المفتون به أناس كثيرون، ولكنني أنا لست به بمفتون. فإذا كانت سرقتي، كما تقول، قد أفادتك شيئا فأنا لم تضرني بشيء. أما طلبك تتمة المقالة المسروقة، فأنت تعلم أن ما وصلت يدك إليه منها إنما هي مسودة كتبت على نية التنقيح والإتمام، ثم فاجأني الداء فقطع حبل أفكاري، ولم أستبل منه إلا من بضعة أيام، ولكني أراني به قد رددت إلى عالم الحقيقية، وصرفت عن عالم الأحلام. فأنا الآن منهمك بالماديات، ولا أدري متى يجوز لي الاشتغال بالروحانيات. فإجابة طلبك ليست ميسورة في الحال، ولا أستطيع أن أعدك به في الاستقبال، ولا سيما أن مصارعة الآلهة ليست بالأمر السهل. وها أنا شاهد من بعد، ويعقوب شاهد من قبل؛ على أني وإن طمعت بحلم الآلهة، فلا أطمع بحلم البشر؛ ولذلك جاء في الأمثال: «ليس كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يكتب ينشر.»
3
فها قد بسطت لك أمري، فاقبل عذري.
الدكتور شبلي شميل
Página desconocida