فإن الأمير، بموجب صدور فرمان آمر الدنيا المطاع، قد فتح ألوية النصر من دار السلطنة طهران إلى ناحية أذربيچان، وعزم إلى قراباغ عن طريق" آهر"، وقبل أن يعبر نهر آرس، أظهر إبراهيم خليل خان رأس العداوة والخلاف بسبب استماعه خبر نهضة موكب أثر الظفر، ونظرا لشدة خوفه ورهبته تسلل إلى قلعة" شوشى" واستحكمت فى نفسه نفس الزجرة وحيرة الضيق فأرسل جعفر قلى بك بن محمد حسن خان- الذى كان حفيده- مع ابن فضل على بك جوانشير إلى" كنجه" عند الروس من أجل العون والمحافظة على جسر" خدا آفرين"، وقد أرسل إيشبخدر أيضا فوجا كبيرا من الجنود من أجل حراسة جسر" خدا آفرين" والمحاربة مع الجيش المقترن بالنصر، وقد صار هو نفسه أيضا بسبب غاية تهوره على الفور عازما الجدال ومستعدا للقتال والنزاع. وبعد حضور تلك الزمرة العنيدة، جعل إبراهيم خليل خان جمع من فرسان ومشاة قراباغ فى صحبة ابنه محمد حسن خان، وبالاتفاق سار جيش الروس لحراسة الجسر والمقاتلة مع جيش الإسلام، فأمر نائب السلطنة بأن يكون فى المقدمة مقرب الحضرة إسماعيل بك مع جمع من قصبة" آهر"، وبعد رحيلهم وصل إلى نائب السلطنة وقت العصر خبر اتجاه الروس إلى ناحية جسر" خدا آفرين"، وعلى الظن بتلاقى الروس مع إسماعيل بك، فلم يتوقف فكره وطبع حضرته الغيور، وتحرك فى الساعة نفسها، وبعد ظهر [ص 148] غد ذلك اليوم حضر إلى ساحل نهر آرس، ورجع أربعة فراسخ من جسر خدا آفرين، فتقابلوا مضطرين، وهناك دارت نغمة الحرب وصوبوا من الجهات الأربع رصاص بنادقهم وسهامهم على تلك الجماعة فضيقوا عليهم الدنيا الرحبة الواسعة، وحميت أكباد جيش الإسلام والتهبت أرواحهم، فالتصق فى شجعان روسيا وقراباغ عار الفرار من الخصم وطبع اللجاج والعناد ، وضاق الميدان المزدحم على مبارزى الطرفين حيث لم يعد فى الأمر مراعاة العيب والعار، فجزعت أعين إسماعيل بك لمشاهدة هذه الأوضاع لشدة غيرته وحفظه للشرف والسمعة، فسالت الدموع على وجهه مثل اللؤلؤ، فكانت نار الغضب والحمية تقفز من موقد صدره، وكان يظهر فى كل لحظة الحملات الرجولية والمحاولات الشجاعة حتى أنه كادت تصاب أعين أبطال الإسلام، وحيث كان فى ذلك الوقت موكب الظفر كوكب نائب السلطنة ظاهرا من بعيد. فصار غبار كحل أثار جيش الإسلام والتراب الصاعد للفلك توتياء عين الأبطال الشرفاء. وقويت قلوب إسماعيل بك وسائر المجاهدين، وتجددت أجسادهم الخالية من الروح بروح جديدة.
ولما رأى الروس والقراباغيون راية حظهم مقلوبة وقائد أجلهم جميعا مرشد إلى وادى الزوال والفناء، فأنقذ البقية الأحياء أعناقهم من مخلب الأجل واختاروا الفرار من معركة القتال على البقاء ووصلوا بأنفسهم بين الساقط والناهض من المعابر الصعبة والغابات الكثيفة الأشجار إلى قلعة" شوشى" وبعث نائب السلطنة برءوس الروس والقراباغيين إلى بلاط سماء الجاه، وعلى الدوام صار عازما على قلع أس فساد تلك الجماعة.
Página 191