Ma'arij al-Qubool bi Sharh Sullam al-Wusool
معارج القبول بشرح سلم الوصول
Investigador
عمر بن محمود أبو عمر
Editorial
دار ابن القيم
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
Ubicación del editor
الدمام
Géneros
اتَّفَقَتْ فِيهِمُ الْمَشِيئَتَانِ فَوَافَقُوا الْمَشِيئَةَ الشَّرْعِيَّةَ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ الْقَدَرِيَّةِ الْكَوْنِيَّةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَمْ يُوَافِقِ الْمَشِيئَةَ الشَّرْعِيَّةَ لِمَا سَبَقَ عَلَيْهِ فِي الْمَشِيئَةِ الْقَدَرِيَّةِ مِنَ الشَّقَاوَةِ. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمَشِيئَةَ الْكَوْنِيَّةَ الْقَدَرِيَّةَ لَا خُرُوجَ لِأَحَدٍ مِنْهَا، وَلَا مَحِيدَ لَهُ عَنْهَا، سَوَاءٌ سَبَقَتْ لَهُ بِالشَّقَاوَةِ أَوِ السَّعَادَةِ. وَأَمَّا الْمَشِيئَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَمَنْ كَانَ سَبَقَ لَهُ فِي الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ يُوَافِقُهَا كَانَ كَذَلِكَ، أَوْ يُخَالِفُهَا كَانَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْعِبَادَةُ هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ. فَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْجَارِ وَالْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالْمَمْلُوكِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَالدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَالْقِرَاءَةُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَةِ -يَعْنِي الظَّاهِرَةَ- وَكَذَلِكَ حَبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَتُهُ وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَالصَّبْرُ لِحُكْمِهِ وَالشُّكْرُ لِنِعَمِهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالرَّجَاءُ لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْفُ لِعَذَابِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ هِيَ مِنَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ -يَعْنِي الْبَاطِنَةَ- وَجُمَّاعُ الْعِبَادَةِ كَمَالُ الْحُبِّ مَعَ كَمَالِ الذُّلِّ١ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةُ بَحْثِهَا فِي بَابِهَا مِنَ الْمَتْنِ.
أَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْ ظَهْرِ ... آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ
وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ ... لَا رَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ
"أَخْرَجَ" أَيِ: اللَّهُ ﵎ "فِيمَا" أَيِ: الزَّمَنِ الَّذِي "قَدْ مَضَى" وَذَلِكَ بَعْدَ خَلْقِهِ آدَمَ ﵊ "مِنْ ظَهْرِ آدَمَ" أَبِي الْبَشَرِ ﵇ "ذُرِّيَّتَهُ" كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "كَالذَّرِّ" أَيْ: كَهَيْئَتِهِ "وَأَخَذَ" ﷿ "الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ" وَتَفْسِيرُ الْعَهْدِ "أَنَّهُ" الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ أَوِ الْحَالِ هُوَ رَبُّهُمْ "لَا رَبَّ مَعْبُودٌ" مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةِ وَلِذَا قَيَّدَ "بِحَقٍّ غَيْرَهُ" وَإِلَّا فَكَمْ قَدِ اتَّخَذَ أَعْدَاؤُهُ مِنْ أَرْبَابٍ وَعَبَدُوهَا بِالْبَاطِلِ بِدُونِ حَقٍّ بَلْ بِالظُّلْمِ الْعَظِيمِ قَالَ اللَّهُ ﵎: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ
_________
١ انظر العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وانظرها في مجموع الفتاوى "١٠/ ١٤٩" وما بعدها منها أخذ المصنف هذا القول.
1 / 84