معالم مكة التأريخية والأثرية
معالم مكة التأريخية والأثرية
Editorial
دار مكة للنشر والتوزيع
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م
Géneros
عاتق بن غيث البلادي
معالم مكة التأريخية والأثرية
دار مكة للنشر والتوزيع
Página desconocida
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م
1 / 2
معالم مكة التأريخية والأثرية
1 / 3
تمهيد
منذ عهد الجاهلية إلى اليوم تحيط بمكة المكرمة ثلاث قبائل كبار عريقة:
هُذَيْل في الشرق والجنوب الشرقي والشمال الشرقي، حيث كانت ديارها تمتد من اللِّيث وحَلْيَة في الجنوب إلى غُرَان ورُهَاط شمال مكة. وكانت كِنَانة تحيط بمكة من الغرب والجنوب الغربي، حيث كانت ديارها تمتد من حلي في الجنوب إلى وادي الصفراء في الشمال. ومن كنانة قُرَيْش التي تملكت كل مكة ونفت خُزَاعة عنها، وكان الفضل في ذلك يعود، إلى ذلك الزعيم القائد: قصيِّ بن كلاب، الجد الخامس لرسول الله ﷺ.
والقبيلة الثالثة كانت خُزاعة، وخزاعة كانت تلي البيت وتملك جل مكة إلى أن أخرجها قصيّ كما ألمحنا آنفا. ثم نزلت وادي مر الظهران فكانت ديارها تحيط بمكة من الجنوب الغربي والشمال وتمتد على عُسْفان وأمَج وقُدَيْد إلى السائرة المعروفة اليوم باسم حجر شرق رابغ على مائة كيل. ولا زالت لهذه القبيلة بقية تسكن جنوب مكة وغربها وكانت هُذيل أشعر العرب، ومن أفصح القبائل بعد قُرَيش، أو لعل الحظ حالف هُذَيْلًا حيث قَيَّض لها من جمع شعرها وحفظه، بينما ضاع شعر قبائل كثيرة.
وإذا أردت أن تدرس منطقة مكة في الشعر العربي فإن المعول عليه شعر هُذَيل، ويأتي بعده شعر قُرَيش، ولعل تفوق هذيل على قريش في هذا المضمار
1 / 5
يعود إلى أن قُريشًا أمة تجارية ودينية بينما هُذَيل بادية يتنقلون بين الفيافي والفجاج فيصفون الجبال والأودية ويخيلون السحاب ويشاهدون لمعان البرق ويسمعون هدير السيول، فجاء شعرهم ملتصقًا بالطبيعة معبرًا عنها أحسن تعبير.
وروى ياقوت في معجم الأدباء (ج ١٦ ص ١٤١) إنه كان في هُذَيل مائة وثلاثون شاعرًا ما فيهم إلا مُفْلِق.
وفي هذه البحوث القصيرة (١) نمر مع شعر هذيل وقريش وغيرهم ممن تفرضه المناسبة ومن ذكر معالم مكة بما يتيسر لنا، ولا أدَّعي الإحاطة.
والآن:
كان هذا تمهيدًا لبحوث ومقالات نشرت في الجريدة، وما أنْ رآها من لهم ولع بمثل هذه المعلومات حتى طلب مني كثيرون من الأخوة الأعزاء أن أحيلها إلى كتاب، وما كان الهدف كذلك، غير أنهم أقنعوني، وكان يعضد طلبهم: إن هذه البحوث نشرت في جريدة، والجريدة قد تفوت القارىء، ثم إنها تعرضت لأخطاء مطبعية سيئة أثناء النشر، ثم إن الجريدة يصعب الاحتفاظ بها والرجوع إليها عند الحاجة، فَلَما اقتنعت بنشرها في كتاب كان لا بد من إجراء لمسات وإضافات تليق بما لمكة من مكانة في نفوس الباحثين والعلماء.
فأضفت معالم تأريخية، إما كمواد منفردة أو أثناء ذكرها عرضًا، وجعلت الدليل في آخر الكتاب يوضح مواضعها بدقة.
ثم لا أنكر أن في كثير من هذه المعلومات تكرارًا وترديدًا لمعالم كثيرة، ولكن يشفع لي إن هذا غيرمقصود، ولكن هذه المعالم تشترك في الشواهد وتتجاور في المواقع والحديث عن أيها يستلزم استحضار الشاهد، وبتكرار الشاهد تتكرر المعلومات، وفي بعض الإعادة إفادة. ولا أنسى هنا أن أشكر أخوة كثيرون تجاوبوا معي، ومدوني بمعلومات عن مواضع أثرية وتأريخية، وبعضهم تطوع بمرافقتي في رحلات حول مكة، وأخص منهم الأخوين: نوار
_________
(١) كان هذا الكتاب ينشر على شكل مقالات في جريدة الندوة.
1 / 6
ابن سنان الدعدي الهذلي، وعطية الشيبي المطرفي الهذلي. ولا أنسى -والفضل لأهله يذكر- فضل أخي محمد بن عبد الله بن برير، الذي كان يجهد نفسه كثيرًا في سبيل إخراج تلك البحوث إخراجًا يليق بمعالم مكة.
وختامًا أسأل الله أن يَجْعَل هذا العمل خالصًا لوجهه، نافعًا هذا البلد الأمين.
المؤلف
1 / 7
(أ)
1 / 9
الأبواص: بفتح الهمزة وسكون الباء وفتح الواو ثم ألف فصاد مهملة ..
قال أمية بن أبي عائذ الهذلي (١):
لمن الديار بعلي فالأحراص ... فالسودتين فمجمع الأبواص
في هذا الشعر:
أ- علي: بفتح العين وسكون اللام .. تعرف اليوم (بعِلي) بكسر كل من العين واللام وهي من وادي رهجان: أحد روافد وادي نعمان الجنوبية على قرابة "٣٣" كيلًا من مكة جنوبًا شرقيًا، يمين الطريق إلى الطائف.
ب- الأخراص: بالخاء المعجمة والصاد المهملة، والسودتان مثنى سودة والأبواص كجمع بوص وتقدم ضبطه: هذه المعالم كلها بين رَهْجان وعَرْعَر، من ضفة وادي نَعْمان الجنوبية، عدا الأبواص لم أتبين موقعها، وهذه كلها من ديار هُذَيل.
أبو قُبَيْس: بضم القاف وفتح الموحدة، على وزن فُعَيل: من أشهر جبال مكة مع أنه ليس من أكبرها، تراه يشرف على المسجد الحرام من مطلع الشمس، يصب منه شعب عليّ بينه وبن الخندمة، وأبو قبيس بين شعب عليّ وبن أجياد، وهو من الجبال المأهولة في مكة. وعلى قمته مسجد يسمى مسجد بلال، وليس منسوبًا إلى بلال ابن رباح كما يظن البعض.
وقيل: إن الركن كان مستودعًا فيه أيام الطوفان. وفي شعب على حين يفضي (مولد رسول الله) ﷺ.
_________
(١) معجم البلدان (الأبواص).
1 / 11
وقد تحول اليوم إلى مكتبة عامة، هي مكتبة مكة. وقد ذكرت في المولد.
الأثبرة: جمع ثَبِير بفتح الثاء وكسر الباء الموحدة:
اسم يطلق على عدد من جبال مكة منها ثَبِير غَيْناء: وهو أضخم جبال مكة يشرف على الأبطح من الشرق، ويشرف على منى من الشمال ويقابل حِرّاء من الجنوب، وتعرفه العامة اليوم بجبل الرَّخم، وثبير الزنج: جبل المسفلة الذي يشرف عليها من الغرب، ومنه جبل عُمَر وجبل الشراشف وجبل الناقة وغيرها.
وثَبير الخضراء: الجبل الذي يتصل بالخنادم من الشرق يناوح ثَبير غَيْنَاء من الغرب الجنوبي يمتد جنوبًا إلى جبل سُدَير وغربًا إلى جبل السبع بنات، ومنه تشاهد جبل ثَوْر جنوبًا عدلًا.
وثَبِير النَّصْع: جبل المزدلفة. وغيرها.
قال الفضل بن العباس اللُّهبي نسبةً إلى أبي لهب عم النبي ﷺ (١):
هيهات منك قُعَيِقِعان وبَلْدح ... فجنوب أثْبِرةٍ فبطن عِساب
فالهاوتانِ فَكْبكَبٌ فجتاوب ... فالبعوص فالأفرع من أشْقَاب
في هذا الشعر:
أ- الأثبرة: وقد تقدم الحديث عنها.
ب- قعيقعان: بضم القاف وفتح العين وسكون الياء المثناة تحت وكسر القاف الثانية وفتح العين الثانية مع الألف ثم نون.
هو الجبل الذي يشرف على المسجد الحرام من الشمال الغربي، يمتد
_________
(١) معجم البلدان (أثبرة).
1 / 12
شمالًا إلى الحجون وغربًا إلى بئر طُوَى وجنوبًا إلى حارة الباب والشُّبيكة ومن أقسامه اليوم: جبل هِنْدي وجبل العَبَّادي وجبل السُّلَيمانية وجبل الفَلْق. وغيرها.
جـ- بلدح: اسم وادي مكة الثاني، أعلاه خريق العشر وكان هذا الشق يسمى مكة السدر، ووسطه فخ ويعرف اليوم بالزاهر، وأسفله بلدح وهو بين أمّ الدود (الجُوْد حاليا) إلى الحُدَيْبِية (الشُّمَيْسِي اليوم).
د- بطن عساب: وادٍ غير معروف الآن.
هـ- كبكب: بتكرار الكاف المفتوحة، وتكرار الباء الموحدة أولاهما ساكنة. جبل من أشهر جبال هُذيل في الجاهلية والإسلام، يبعد شرق مكة بسبعة وعشرين كيلًا، مياهه الجنوبية في وادي نعمان، والشمالية والغربية في وادي عرنة، وبشقه الغربي يقع سوق ذي المَجَاز المشهور، لا زال باقية آثاره.
والهاوتان: مثنى هاوة: شعبتان تصبان في وادي نعمان من الجنوب غرب مصب رهجان ترى مصبهما يمينك، إذا خرجت من عرفات شرقًا على "٢٩" كيلًا من مكة.
ز- جَتَاوب: أوله جيم مفتوحة ثم تاء مثناة من فوق مخففة: غير معروف اليوم.
حـ- البوص: كأنه مفرد الأبواص التي مرت معنا في أول البحث وهو كذلك غير معروف.
طـ- أفراع شقاب: فرعة الوادي أو الشعب رأسه المستوي بين الجبال، ومنه فرع بني سفيان المعروف. وشقاب أو أفرع شقاب: شعاب تصب في رأس وادي سرف من
1 / 13
الجنوب غرب الجعرانة إلى الجنوب، مجاورة ثرير ابن الزبير الذي يصب معها. ولكن المقصود هنا أشقاب رهجان، فهي تجاور الهاوتان من الشرق، بينها وبين الأخراص والسودتين، وكلها وردت في صادية أُميَّة بن أبي عائذ الهذلي المتقدم بيت منها في الأبواص.
أجيَاد: كَأنه جمع جواد، والناس تقول (جيَاد) كان الاسم يطلق على شعبين كبيرين من شعاب مكة، يأتي أحدهما من الجنوب، يقاسم خُمًَّا الماء فيتجه شمالًا، والآخر يأتي من الشرق من جبل الأعرف، ثم يجتمعان أمام المسجد الحرام من الجنوب فيدفعان في وادي ابراهيم. وقد أصبحا اليوم مأهولين بأحياء عديدة من أحياء مكة، أشهرها: حي جياد، والمصافي، وبئر بليلة. ومن جياد الكبير طريق يفرع ريع بخش -رأس جياد- ثم ينحدر في (خُمّ) فإلى بطحاء قُريش فثوْر جنوبًا. قال ميمون بن قيس (الأعشى) (١):
فما أنت من أهل الحُجُون ولا الصفا ... ولا لك حق الشرب من ماء زمزم
وما جَعَل الرحمنُ بيتَك في العُلا ... بأجْيادِ غربيّ الصفا والمُحَرَّم
وقال عمر بن أبي ربيعة: (٢)
هيهات من أمَة الوهاب منزلنا (٣) ... لما نزلنا بسيف البحر من عدن
وحَلّ أهلُك أجْيادًا فليس لنا ... إلاّ التَّذَكُر، أو حَظّ من الحزن
_________
(١) ديوانه: ص ١٨٤
(٢) ديوانه: ص ٣٤٨
(٣) أمة الوهاب: ابنة عمر بن أبي ربيعة.
1 / 14
وله ذكر كثير في كتب المتقدمين وأشعارهم.
وقال بشر بن أبي حازم: (١):
حلفت برب الداميات نحورها
... وما ضَمّ أجياد المُصلىَّ ومَذهبُ
لئن شبت الحرب العوانُ التي أرى ... وقد طال إبعاد بها وترهبُ
لتحتملَنْ بالليل منكم ظعينةٌ ... إلى غير موثوق من العز تهربُ
وقال أبو بكر العبدي العدني: (٢)
يا مُحيَّا نُور الصَّباح البادي ... ونسيمَ الرِّياحِ غِبّ الغوادي
حي أحبابنا بمكة ما بين ... الصَّفا وبين جِيادِ
الأحَثُّ: بفتح الهمزة والحاء المهملة المفتوحة أيضا والثاء المثلثة المشددة: قال أبو قُلاَبة الهُذَلي: (٣)
يا دار أعرفُها وحشًا منازلهُا ... بين القوائم من رَهطٍ فألْبَان
قدمنة من رُحَيَّات الأحثِّ إلى ... ضَوجي دفَاقٍ كسحقِ الملبس الفاني
في هذا الشعر:
أ- القوائم: يعتقد أنها تلك الهضاب المناصيب التي تُكوِّن
_________
(١) معجم البلدان (أجياد).
(٢) معجم البلدان (جياد).
(٣) معجم البلدان (الأحث).
1 / 15
مضيق وادي ضِيْم عندما يقارب اجتماعه بوادي دفاق وكلاهما من روافد ملكان جنوب مكة على قرابة "٤٥" كيلًا.
ب- ألْبَان: جمع لَبَن وهي كثيرة في ديار هذيل منها: جبلا لَبَن اللَّذَيْن يشرفان على الشرائع من الجنوب وعليهما المثل (لبن لبنين يا شريف) له قصة طريفة.
ولبنان: جبلان على "٥٠" كيلًا جنوب مكة بين وادي البيضاء ووادي مَلْكان، يسمى أحدهما لَبَن الأبيض والآخر لبن الأسود، وهما ودفاق والأحثّ، والقوائم المتقدمة تتراءى.
ولبن آخر: ذكر من حدود الحرم الجنوبية وهو ما يعرف اليوم باسم لُبَين، تراه من المسفلة جنوبًا وهو حد الحرم من جهة اليمن.
قال تأبَّط شرًا:
هلا سألت عميرًا عن مصاولتي ... قومًا منازلهم بالصيف ألْبَانُ
ب- الأحَثُّ: وقد تقدم ضبطه: ريع في ديار هذيل يصل بين وادي دفاق وبين المراخ في إدام تشرف عليه من مطلع الشمس جبال "راية" الجميلة الشهيرة هناك.
ورواه البكري بالتاء المثناة فوق في آخره، وهو خطأ، ثم أورد لأبي قُلاَبة:
فيأسكِ من صديقكِ ثم يأس ... ضُحَى يوم الأحثِّ من الإيابِ
وروى هذا الشعر ياقوت، لأبي قُلابة أيضًا هكذا:
1 / 16
يئست من الحِذيَّة أمَّ عمرو ... غداة إذ انتحوني بالجناب
فيأسكِ من صديقكِ، ثم يأسًا ... ضحى يوم الأحثِّ من الإياب
د- دُفَاق: بضم الدال المهملة وتخفيف الفاء ثم قاف وادٍ لهُذَيل يسيل من السراة قرب شفا بني سِفْيان ثم ينحدر غربًا مع ميل إلى الشمال حتى يصب في ملكان بعد ضِيْم على "٣٢" كيلًا جنوب مكة. وسيأتي في بابه.
أمُّ أحْرَادٍ: كجمع حريد بالحاء المهملة. بئر بمكة احتفرتها بنو عبد الدار ضمن آبار قُرَيْش.
قالت أمَيْمَةُ بنت عُمَيلة إمرأة العَوّام بن خُوَيلد: (١)
خن حفرنا البحر أُمَّ أحرادْ ... ليست كبذَّرَ النَّزُور الجَمادْ
فأجابتها ضُرَّتها صَفِيَّة بنت عبد المطلب بن هاشم:
نحن حفرنا بَذَّرْ ... تسقي الحجيج الأكبْر
وأمُّ أحراء الشر
وهذه الآبار لم تعد تعرف وستأتي بَذَّر في موضعها.
إحليل: بكسر الهمز وسكون الحاء المهملة ثم لامين بينهما ياء مثناة تحت: قال كانف الفهمي: (٢)
فلو تسألي عنا، لنبئتِ أنَّنا ... بإحليل لا نُزوَى ولا نَتَخَشَّعُ
_________
(١) معجم البلدان (أم أحراد).
(٢) رواه ياقوت لكانف الفهمي، ورواه البكري لكانف العريمي، والعرمان من دعد من هذيل.
1 / 17
وأن قد كسونا بطنَ ضيمٍ عجاجةً ... تُصعَّد فيه مرة وتُفَرِّعُ
ويعرف اليوم بحليل وهو من روافد دُفَاق الجنوبية، وهو لهذيل وذكر الأقدمون إنه لكنانة، والقبيلتان متجاورتان، ثم نزلته بنو فهْم. ذلك أن فَهْمًا اقتتلت مع أختها عدوان حول الطائف فجلت حتى نزلت على بني صاهلة من هذيل فأنزلتها صاهلة في جوارها فلما كثرت فَهْم استولت على ديار صاهلة، ولم يعد اليوم من صاهلة سوى أبيات في صدر يلملم تجاور فهما.
الأخبَاب: كجمع خب:
جاءت في شعر عمر بن أبي ربيعة: (١)
ومن أجل ذات الخال يوم نظرتها ... بمندفع الأخباب أخضلني دمعي
وأخْرى لَدَى البيت العتيقِ نظرتها ... إليها تمشت في عظامي ومسمعي
يدل هذا الشعر على أن الأخباب ثنايا أو تلاع حيث يقول بمندفع الأخباب: أي حيث تدفع. فأين تقع يا ترى؟
لم أعثر على هذا الاسم فيما حول مكة. وقد يكون الشعر لغير عمر بن أبي ربيعة.
وقد ورد هذا الاسم قرب السوارقية من ديار مطير اليوم، وديار سليم قديمًا.
قالت الخنساء:
يَحْمي لها ذات أخَبْابٍ فَعَنْفَوةٍ ... فمحدث الأتم فالصرداء أحيانا
_________
(١) كذا رواه ياقوت لعمر، ولم أجده في ديوانه.
1 / 18
وكلها من حوض عقيق عشيرة قرب السوارقية.
الأخراص: كأنه جمع خرص بالخاء المعجمة والراء والصاد المهملتين، قال أُمَيَّة ابن أبي عائذ الهُذَلي: (١).
لمن الديار بعلي فالأخْراص ... فالسُّودَتين فجمع الأبْواصِ
فَضُهاء أظْلم فالنَّطوفِ فصائفِ ... فالنُّمْرِ فالبُرْقاتِ فالأنْحَاصِ
في هذا الشعر: الأخراص: شعاب وثنايا تأتي نعمان من الجنوب بين عرعرا ورهجان.
أ- أظلم: جبل لهذيل يشرف على الجعرانة من الشمال الشرقي أسود بارز. ومعظم الجبال التي في لونه تسميها العرب أظلم إذا كانت كبارًا وتسميها غُرابًا إذا كانت صغارًا.
هذا المشهور، أما المعني بالبيت فهو قرب الأخراص بين عرعر ورهجان، وضُهاءُه شعب يصب منه معروف.
ب- النطوف: كجمع ناطف وقد يطلق على المكان الريان لم أتبينها.
جـ- صائف: شعب يقع شمال عمرة التنعيم غير بعيد، وقد وصله اليوم عمران مكة، وآخر في نخلة الشامية، والذي أعتقده أن صائفا آخر بنعمان حيث كل هذه المواضع تتشاوف هناك.
د- النُّمُر: بضم النون والميم كجمع نمراء: نعوف من جبل كبكب تكنع في وادي نعمان من الشمال على يسار
_________
(١) معجم ما استعجم (الأخراص).
1 / 19
طريق المصعد إلى الطائف، ترى منها الأخراص جنوبًا عدلًا، وكذلك أظلم.
هـ- البُرْقات، الأَنْحاص: كالأبواص غير معروفة، ولعل للقافية وهيكل البناء الشعري دور في مثل هذه الأسماء وخاصة إذا عرفت أن ديار هُذَيل ليست بها بُرق.
الأخشبان: مثنى أخشب وهو الجبل الخشن وعر المرقى.
قال الشريف الرضيى: (١)
أحبك ما أقام مِنىً وجمَعٌ ... وما أرسى بمكةَ أخشباها
وما دَفَع الحجيج إلى المُصلَّى ... يجرّون الَمطِيَّ على وجاها
وما نحروا بخيف منًى وكبوا ... على الأذقان مشعرةً ذراها
وقال ساعدة بن جُؤَيَّة الهذلي: (٢)
ومقامهن إذا حُبِسن بمأزمٍ ... ضَيْقٍ ألف وصَدّهُنّ الأخشبُ
وأكثر الأقدمون من القول عن الأخْشَبَينْ وكادوا يتفقون على أنهما: أبو قُبَيس وقُعَيْقعان، وقد تقدم تحديد قعيقعان، أما أبو قبيس -بضم القاف- فهو من أشهر جبال مكة بل أشهرها على الإطلاق وهو الجبل المشرف إشرافًا مباشرًا على المسجد الحرام من مطلع الشمس ولذا يقول أهل مكة: الواقف على أبي قبيس يرى
_________
(١) ديوانه ص ٥٦٣
(٢) معجم البلدان (الأخشبان)
1 / 20
الطائف! وقد تقدم معنا تحديده أيضا. أما أهل البرية فيسمون الجبلن المشرفين على المزدلفة من الشرق "الأخشبين" ويسمون الطريق بينهما "المأزمين" وقد يطلق اسم الأخشبين على جبلي منى فيميزان بأخشبي منى، وكان الشامي منهما يسمى القابل وهو وجه ثبيرغيناء من الجنوب، وثبير غيناء تقدم معنا، وكان يسمى ثَبِير الأثْبِرة أي كبيرها، أما جبل منى اليماني فكان يسمى الصابح وسفحه الشمالي الشرقي يسمى "خيف منى" وله شهرة في أشعار العرب، يقول الشريف الرضيى:
نظرتُكِ نظرةً بالخَيْفِ كانتْ ... جلاء العين أو كانت قَذَاها (١)
ولم يكُ غير موقفنا فطارتْ ... بكل قبيلةٍ منا نواها
إدَام: بسكر الهمزة ودال مهملة بعدها ألف فميم:
قال صخر الغي الهذلي: (٢)
لقد أجرى لمصرعه تليدٌ ... وساقته المنيةُ من إداما
قلت: إدام وادٍ فحل من أودية مكة المكرمة، على (٥٧) كيلًا جنوبًا، يقطعه درب اليمن بين وادي البيضاء شمالًا ووادي يلملم جنوبًا. يسيل من جبال راية ويصب في الخبت عند طفيل، سكانه الجحادلة من بني شعبة، ليست به زراعة ولكن فيه آثار عيون مندثرة، وفيه بئر إدام الشهيرة منذ القدم، ويتبع إداريًا قائم مقام العاصمة. وتليد الوارد في هذا البيت هو: ابن الشاعر
_________
(١) في الديوان: جلاء العين مني بل قذاها.
(٢) معجم البلدان (إدام)، ومعجم ما استعجم. وقد أورده ياقوت بضم الهمزة، والبكري بفتحها، والصواب كسرها.
1 / 21
صخر الغي، وله فيه مراتٍ أخرى.
وقال أسامة الهذلي: (١)
ولم يَدَعُوا بين عُرْض الوَتير ... وبين المناقب إلا الذئابا
أذَاخِر: كجمع أذخر. جمع قلة. وهو نبات معروف:
قال بلال بن رباح ﵁:
ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... بفخٍّ وحولي أذخر وجَلِيل
وهل أرِدنْ يومًا مياهَ مَجَنَّةٍ ... وهل يَبْدُونْ لي شامةٌ وطَفيلُ؟
في هذا الشعر:
أ- فَخٌ: بفتح الفاء وتشديد الخاء المعجمة. هو وادي مكة الثاني. وقد ألمحنا إليه فيما تقدم وهذا الوادي يدخل بين حراء ومكة فيمر في الزاهر ويذهب إلى الحديبية ثم يصب في مر الظهران فوق حداء. وقد يأتي معنا بأوفى من هذا.
ب- أذْخُر: هو جبل أذاخِر. وقال: أذخر ليستقيم له وزن الشعر. وليس كما فسره بعض المتأدبين بأن بلالًا كان يحب شميم الأذخر بل كان يحب مكة: شعابها وجبالها وضواحيها، كما هو ظاهر من شعره.
وأذاخِر هذا: هو الجبل الذي يشرف على الأبطح من الشمال يتصل بالحجون من الشرق ولا زالت هناك ثنية
_________
(١) معجم ما استعجم (إدام).
1 / 22
تعرف منذ القدم بثنية أذاخر، قال الأزرقي أخبار مكة (٢ - ٢٨٩): ثنية أذَاخِر: الثنية التي تشرف على حائط خُرمان، ومن ثنية أذاخر دخل النبي ﷺ يوم فتح مكة وقبر عبد الله بن عمر ﵁ بأصلها مما يلي. مكة. وهو الآن في حي الجعفرية. وحائط خرمان: يعرف اليوم بالخُرْمانية. بصدر مكة. صار رحبة تقف بها سيارات الكراء. ويشرف عليه من مطلع الشمس (صفي السباب) وسيأتي مستقبلًا، وقد عمر اليوم جله كمقر لأمانة العاصمة.
جـ- جَلِيل: بفتح أوله وثانيه: شعب يصب من حراء في صدر فخ. وقد أصبح حيًا من أحياء مكة جل سكانه من الروقة من عتيبة.
د- المعالم التي في البيت الثاني سترد في أبوابها إن شاء الله.
أُسَاهِم: بضم الهمزة والسين المهملة على وزن أفاعل:
قال الفضل بن العباس اللهبي: (١)
نظرت وهرشي بيننا وبصاقُها ... فركن كُسابٍ فالصُّوَى من أُساهِم
إلى ضوء نارٍ دون سَلْعٍ، يشبها ... ضعيف الوقود، فاتر غير سائِم
قلت: هذا البيت من الشواهد المشكلة، وهي غير قليلة في كتابات المتقدمين. ووجه المشكل كالآتي:
أ- هرشي: ثنية مشهورة معروفة شمال رابغ. أي على ما يقرب من مائتي كيل من مكة والبصاق: الحرة وهرشي بين حرار.
_________
(١) معجم البلدان (أساهم).
1 / 23