Lo que queda cada noche de la noche
ما يتبقى كل ليلة من الليل
Géneros
من كفار قريش، وباضت عند عتبته الحمامة، وبنت العنكبوت بيتها في مدخله، كنت أعرفه جيدا، والدليل على أن الأغنية كانت لأمي مريم، أنها كانت تترنم بها متابعة السلالم الموسيقية الغريبة للصوت الفيروزي المدهش، في متعة أحسها إلى اليوم، وهي مشغولة بعمل إحدى الأغراض المنزلية، يعني أن الأمر كان عاديا جدا، فلا غرو والأغنية هي أغنيتها، وابنها الذي هو أنا.
أما الشيء الآخر الذي جذبني للأغنية فهو صوت المغنية، ما كان يهمني من أية طبقة صوتية هو، ولا من هي المغنية، ولا أية معلومة علمية أخرى أو فنية، ولكن ما همني وأعجبني وأمتعني - وأنا في ذلك العمر المبكر - هو أن الصوت كان يبدأ منسابا ورقيقا مثل صليل الماء، أو هديل حمامات جارتنا حواء، ثم فجأة وبعد طرقات من الموسيقى حادة وفجائية، يحتد الصوت ويصبح صادما وعنيفا، مثل قرع الطبول أو هذيم الرعود، ثم يعود مرة أخرى ناعما رقيقا وحلوا، وكنت أحبه كذلك، وكنت كلما أذيعت الأغنية بعد ذلك في راديو أبي أترك اللعب وأجلس في أدب، كما تجلس أمي للصلاة، إلى أن تردد فيروز المقطع الذي يخصني وأمي مريم، وأصبحت أميز صوتها من صوت أية مغنية أخرى في صوت العرب من القاهرة، أو المحطات الكثيرة التي كان يتجول عليها مؤشر راديو والدي عليه رحمة الله.
ولكن هنالك شيء آخر ارتبط عندي بفيروز، وهو كلمة القدس، وقد سألت عنها أمي، فقالت لي: إنها تعني «بيت المقدس»، ولم أفهم شيئا، أضافت أنه المكان الذي حجا إليه جدي حاج قدس، عندما تطوع في الجيش العربي في عام 1948، ونادى منادي الجهاد، وغنت النساء والبنيات أغنية: فلسطين تناديكم يا رجال العرب، تسلم أياديكم، وغنتها لي، وعندما عاد جدي بعد أن حرر فلسطين من أيدي الكفار الذين ما كنت أعرف من هم، ولكنهم - بلا شك - كانوا يشبهون لي كفار قريش الذين سمعت عنهم كثيرا، سمي بحاج قدس، وكان اسمه في الماضي إبراهيم عندلة، وهذا بالطبع أكد لي أكثر أن فيروز تغني لي ولأمي مريم، طالما حرر جدي القدس.
وظلت فيروز مغنيتي المفضلة وأنا أكبر يوما بيوم، وأتدرج في مراحل التعليم، ساقني إليها مرة أخرى الشاعر جبران خليل جبران، عبر سكن الليل، والمواكب، وكنت قد قرأت جبران وأنا في المدرسة الابتدائية، اشتريت كتبه من مكتبة القرية الصغيرة، بعد أن تعرفت عليه من خلال مجلة الدوحة القطرية، والعربي الكويتية، ومجلة المجلة - أطال الله عمرها.
الناشر الشبح
ينشط في أسواق الكتاب بالخرطوم ما أسميه بالناشر الشبح، وهو ناشر ليس له عنوان وليس له اسم، إنما هو مجهول يغير موقعه باستمرار، أو يقيم مؤقتا في حاوية بضاعة تجرها عربات، في رفقته عدد من الفنيين المهرة الذين باستطاعتهم إعداد ما لا يقل عن عشرين كتابا في اليوم من الحجم الكبير المجلد، مثل إصدارات الأستاذ منصور خالد، أو النزعات المادية في الثقافة العربية الإسلامية للدكتور حسين مروة، أو مئة نسخة من الحجم الصغير مثل كتيبات باولو كويلو، ودواوين محمود درويش، ومقالات رولان بارت في النقد.
كانت إشارة نائب رئيس اتحاد الناشرين المصريين المهندس عاصم شلبي في أن هنالك سوقان كبيران للكتاب المزور في مصر، يوجدان بالسودان والسعودية، يبدو صحيحا جدا فيما يخص السودان على الأقل، حيث يكاد ينحصر الكتاب المزور في السعودية على الكتاب الجامعي والعلمي.
المراقب لسوق الكتاب اليوم بالسودان الذي يسمى محليا «مفروش» وكثير من المكتبات الكبيرة، يلاحظ وجود ثلاثة أصناف من الكتب المزورة: تلك الواردة من مصر، وهي أكثر إتقانا وأشبه بالأصل، والأخرى وشبيهتها الواردة من سوريا، ثم المزورة محليا في منطقة السوق الشعبي بأم درمان، أو السوق العربي بالخرطوم، أو في أية حاوية متحركة في شوارع المدينة، وهي رديئة الطباعة والأوراق وأرخص سعرا من المصرية والسورية المنشأ، وأفاد الأستاذ نور الهدى - سكرتير العلاقات الخارجية في اتحاد الناشرين السودانيين - أنه بعد انخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي في السودان الآونة الأخيرة، توقف سيل الكتب الواردة من سوريا نسبة لارتفاع تكلفة الشحن، ولكن انتقل المزورون إلى العمل في السودان، وأخذوا يدخلون تقنيات متقدمة في هذا الشأن.
ينشط الناشر الشبح في صناعة الكتب ذات الطلب العالي والممنوعة عن النشر، والروايات الأجنبية المقررة في المدارس والجامعات، وتلك ذات الأسعار العالية جدا، حيث يقوم بعرضها بأقل من ربع سعرها الفعلي، محققا بذلك أرباحا كبيرة تفوق ما يتحصل عليه الناشر الفعلي والكاتب والطابع وكل الذين في سلسلة صناعة الكتاب؛ لأن الناشر الشبح يأخذ نصيبهم جميعا ويحل محلهم كافة، فهو الناشر والطابع، وفي كثير من الأحيان الكاتب نفسه؛ لأن بعض الإصدارات الجامعية يعاد تزويرها بدون الإشارة لاسم المؤلف، ويفيد مسئول كبير - لا يرغب في ذكر اسمه - أن مؤسسة علمية خاصة تقوم بطباعة كتب الطب الأجنبية النادرة محليا دون إذن ناشريها أو مؤلفيها.
هنالك أيضا الناشر الشبح الإلكتروني، فبينما بلغت مبيعات الكتب الإلكترونية في أمريكا 282,3 مليون دولار للربع الأول من العام الحالي، وهو رقم يزيد بأكثر من 28٪ عن نفس الفترة من العام الماضي ، إلا أن الكتاب الإلكتروني في السودان غير ربحي ولا يباع ويشترى، ولكنه يكبد الناشرين والكتاب خسائر فادحة، وله أغراضه الخاصة، إما أنه معارض ويقوم بنشر الكتب الممنوعة التي بها أفكار مخالفة لما هو مسموح به رسميا، ويصبح هدفه سياسيا واجتماعيا، أو أنه ينتمي للسلطات الحكومية، ويقوم بنشر الإصدارات المعارضة بعد إفسادها وإقحام فقرات وصفحات تفسد الموضوع أو تسيء للعقيدة مما يدخل المؤلف في حرج، وأحيانا كثيرة يكون الناشر الشبح الإلكتروني ليس أكثر من فاعل خير شرير شديد الضرر بحقوق الملكية الفكرية، حيث هدفه يتمثل في إشاعة المعرفة، وتوصيل الكتب العلمية والثقافية والأدبية، وتلك الدينية والدعوية وغيرها إلى القراء الفقراء والبعيدين عن مراكز البيع مجانا.
Página desconocida