73

Más Allá de los Mares

ما وراء البحار

Géneros

(1) البترون سنة 2520م

شهر أيار، أو نوار، كما يسميه العامة في سوريا، هو أجمل أشهر السنة، وأكثرها رونقا وزهاء، في كل أقطار العالم، وبنوع خاص في سوريا؛ حيث تظهر الطبيعة بأبهى رداء، وأصفى سماء، وأعذب هواء؛ إذ ينتشر عبير الأزهار مالئا الفضاء عطرا، والعين سرورا، والصدر انشراحا. هناك يعانق الشاطئ الأخضر البحر الأزرق، كما يعانق الحبيب الحبيبة، وكأنى به يفاخر سائر الشواطئ والمدائن بجمال حبيبه قائلا: «من له مثل هذا البحر الفتان.»

هناك - بين تلك الهضاب والرياض - بين أريج الياسمين والمنثور وبخار المياه؛ إذ تلطم الصخور فتتصاعد في الفضاء كاللؤلؤ المنثور. هناك عند أقدام الجبال المزنرة بأشجار الشربين والأرز. في شهر أيار من سنة 2520 كنت ترى الجماهير من الناس، قد ملأت الطرقات والفضاء، كلها متجهة نحو بناية هائلة في جوار البترون، من القوم من جاء من مصر وفلسطين ودمشق، ومنهم من العراق وحلب وحماة وحمص وطرابلس، وغيرها من مدائن سوريا، في المناطيد السريعة التي تمر في الجو مر البرق، وفي النقالات العمومية المرتفعة عن الأرض نحو مائتي ذراع، والتي تسير على دولاب واحد فوق شريط من الفولاذ، بسرعة المناطيد تقريبا. ومنهم - وهم الفقراء - من جاءوا من الأماكن القريبة في سيارات عظيمة الحجم، من طراز النقالات القديمة العهد.

قلت إن هذه الجماهير، كانت متجهة نحو بناية عظيمة في جوار البترون ذلك لسماع محاضرة الأستاذ محمد جمال العلم الزهاوي. فالمحاضرات العمومية التي تقام على نفقة حكومة العالم المتحد، تجري في تلك البناية في شهر أيار، وفي دمشق في شهر آب، وفي القاهرة في كانون الثاني، هذا لأبناء اللغة العربية الخالدة.

أما البناية التي مر ذكرها، فهي كناية عن قاعة مستديرة، مساحة دائرتها لا تنقص عن الميل. مقاعدها مرتفع أحدها عن الآخر، بحيث يرى الجالس في أرفع المقاعد ما يراه في أوطاها. جدرانها من زجاج، وسقفها من الألومنوم، ومنصة الخطابة أو المنبر في صدرها. على أن بناءها محكم هندسيا بنوع أن يسمع الصوت في أقصى المقاعد عن المتكلم بجلاء ووضوح، كما يسمع في أقربها إليه، وهذا فوز كبير للهندسة الحديثة في البناء، وتحسين شروط السماع أو الأكوستيك.

الأستاذ محمد جمال العلم الزهاوي، هو من صنف المرشدين؛ إذ لا يخفى أن جماعة العلماء العمال، ممن نالوا أكثرية الأصوات لاجتهادهم وتفوقهم، يقسمون إلى ثلاثة أصناف أو أقسام: المجربون، وهم الذين يعملون في البحث والتنقيب والاختبار والاكتشاف والاستنباط.

والمصنفون، وهم الذين يؤلفون الكتب وينشئون المقالات، فينشرون بين الورى نتائج الأعمال.

والمرشدون ، وهم الذين يخصصون قسما من أوقاتهم للخطابة والمحاضرات.

وكان الأستاذ محمد من هؤلاء، وقد اشتهر بين المتكلمين بالعربية بالفصاحة، مع توقد الذهن، وملاحة الأسلوب، فضلا عن وافر علمه، وسعة معارفه.

فلما احتشد الناس في القاعة، وامتلأت المقاعد، والقوم بين حديث وضحك، ولعب وهرج ومرج؛ إذ ظهر نور أحمر في وسط القاعة من جهة السقف، وكان هذا النور لوحا كبيرا، ظهرت عليه كتابة بالكهربائية مآلها: «فتحت الجلسة، فعليكم بالسكون والسكوت.»

Página desconocida