إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه
يريد أن يعربه فيعجمه
غير أن أبناء الضاد ليسوا ممن يهابون المخاطر، ولا ممن يؤثرون الحياة على الشرف، فكلما تراكمت تلك العقبات في سبيلهم، كلما ازدادت عزائمهم مضاء. وكلما عز الحصول على شرف أثيل، كلما هانت لديهم الأرواح. فما كان منهم إلا أن هجموا على تلك البحور فلجموا أمواجها وامتطوها وراحوا بين شواطئها يهزجون. نعم، هوى بعضهم إلى القاع، فطمست آثاره. ولكن أكثرهم طاف جميع البحور وعاد سالما معافى.
ومن ميزات الذين يخوضون بحور الشعر يا أخي، ويعودون سالمين، أنهم يكتسبون حنوا خارقا على الإنسانية بأسرها، لا سيما علينا نحن أبناء اليابسة، فلا يعودون إلينا فارغي اليد (وإن عادوا فارغي الرأس والقلب) بل يتبارون إلى مشاطرتنا، كل ما اكتشفوه وعرفوه بشأن الملاحة في البحور الشعرية، فيقدمون إلينا ذلك لا نتفا نتفا، بل يجمعونه بين دفتي كتاب يدعونه «ديوانا»، ويرفعونه إلينا؛ ليرفعونا به إليهم.
فلنمجد الملاحين يا أخي ، أولئك الذين يحسنون الملاحة في بحور الشعر، والذين يرتقون في سلمه فلا تزل بهم قدم؛ إذ لا يعجمون معربة، ولا يعربون معجمة! لنمجد العروض وأبناء العروض.
هل اعتراك يا أخي الملل؟ فعليك بحراب صبرك، إذ إننا في مسلك وعر، وإن شاء ربك سنقطعه سالمين.
تسألني ما إذا كنت أتهكم، أو أعني ما أقول؟ لا، وتربة الخليل، لست متهكما؛ فلعروض الخليل فضل علي كبير.
ولأصحابنا الملاحين فضل أكبر. أقول إن لهم فضلا أكبر؛ لأن الخليل يوم جمع ما كان في زمانه من أوزان الشعر، وبوبها وحدد ما «يطرأ عليها من الزحافات والعلل» لم يقصد سوى الخير، ولم يتوخ إلا خدمة لغة عزيزة عليه. أما الذين جاءوا بعد الخليل قتقيدوا بزحافاته وعلله ألفا ومائتي سنة، فإياهم أسدي جزيل شكري؛ لأنهم بمباراتهم في معرفة «صحيح أوزان الشعر وفاسدها»، قد أتقنوا الأوزان وأهملوا الشعر. وبإهمالهم الشعر نبهوني إليه، وقد ينبهنا عدم وجود الشيء إلى الشيء، أسرع مما ينبهنا إليه وجوده.
لنقف يا أخي بتخشع أمام شبح من قال:
Página desconocida