La Era Pre-Islámica
عصر ما قبل الإسلام
Géneros
وكانت أول واقعة فيهم دارت الدائرة فيها لبني تغلب، ثم التقوا يوم واردات فاقتتلوا قتالا شديدا فظفرت تغلب أيضا، وكثر القتل في بكر؛ فقتل همام أخو جساس فمر به مهلهل، فلما رآه مقتولا قال: والله ما قتل بعد كليب أعز علي منك، وتالله لا تجتمع بكر بعدكما على خير أبدا، ووقعت بينهما وقعات أخرى كان الظفر فيها لتغلب، وكانت تغلب تطلب جساسا أشد الطلب، فقال له أبوه، الحق بأخوالك بالشام، فامتنع، فألح عليه أبوه فسيره سيرا في خمسة نفر، وبلغ الخبر إلى مهلهل، فندب أبا نويرة ومعه ثلاثون رجلا من شجعان أصحابه فساروا مجدين فأدركوا جساسا فقاتلهم، فقتل أبو نويرة وأصحابه، ولم يبق منهم غير رجلين، وجرح جساس جرحا شديدا مات منه، وقتل أصحابه فلم يسلم غير رجلين أيضا، فعاد كل واحد إلى أهله، فلما سمع مرة قتل ابنه جساس قال لمهلهل: إنك قد أدركت ثأرك وقتلت جساسا، فاكفف عن الحرب ودع اللجاج والإسراف، وأصلح ذات البين فهو أصلح للحيين وأنكى لعدوهم؛ فلم يجب إلى ذلك، وكان الحارث بن عباد قد اعتزل الحرب فلم يشهدها، فلما قتل جساس وهمام ابنا مرة أرسل بجيرا ابنه وكتب معه إلى مهلهل: أرسلت ابني إليك، فإما قتلته بأخيك وأصلحت بين الحيين، وإما أطلقته وأصلحت ذات البين، فقد مضى من الحيين في الحروب من كان بقاؤه خير لنا ولكم، فلم يكن من المهلهل إلا أن أخذ بجيرا فقتله، وقال: «بل بشسع نعل كليب»، وعرف الحارث الخبر، فأقسم لا يصالح تغلبا حتى تأكله الأرض، وأتوه بفرسه النعامة، وكان ولي أمر بكر، وكان أول يوم شهده هو يوم تحلاق اللمم «سمي بذلك لأنه أمر بكرا بحلق رءوسهم حتى يميزهم النساء الذين حملوهم معهم ليقتلوا جرحى تغلب ويعنوا بجرحى بكر»، وقد انتصر البكريون في هذا اليوم، وأسر الحارث مهلهلا وهو لا يعرفه ثم خلى عنه. ثم كان بين القومين أيام أخرى أهمها يوم النقبة ويوم الفصيل لا داعي إلى شرحها، ويكفي أن نذكر أنه في تمام السنة الأربعين لبدء الحرب تدخل المنذر الثالث ملك الحيرة لإنهاء ذلك الصراع.
وهكذا انتهت تلك الحرب التي استمرت أربعين سنة مات في أثنائها الشيوخ، وشاخ الشبان وشب الولدان، وولدت طبقة من الناس لم تكن في الحسبان، وكان سببها حادثة تافهة، هي قتل الناقة سراب، التي ضرب العرب بها المثل، فقالوا: «أشأم من سراب» كما قالوا: «أشأم من البسوس»، ولا تزال أسماء الزعماء من التغلبيين والبكريين تجرى على ألسنة الناس في البلاد المتكلمة بالعربية.
هذا؛ وإذا صح التقدير فإن هذه الحرب تكون قد استمرت من سنة 490 إلى 530 ميلادية.
ونلخص الآن حربا أخرى، جرت بين فرعين من بني غطفان، هما عبس وذبيان؛ تلك هي حرب داحس والغبراء.
حرب داحس والغبراء
السبب الذي قامت هذه الحرب من أجله بين عبس وذبيان يرجع إلى سوء تصرف قام به الذبيانيون في حفلة سباق أقيمت بين خيول عبس وخيول ذبيان؛ وداحس اسم حصان كان يملكه زعيم من عبس، والغبراء اسم لفرس كان يملكها شيخ ذبيان، وخلاصة النزاع أن صاحبي الحصان والفرس اتفقا على أن يجرياهما، وجعلا الرهان مائة ناقة، ويكون منتهى الغاية مائة غلوة، والمضمار أربعين يوما، ثم أرسلاهما إلى رأس الميدان وكان في موضع الغاية شعاب كثيرة؛ فأكمن صاحب الغبراء فتيانا اعترضوا داحس الذي كان سابقا ثم ردوه عن الغاية، حتى برزت عليه الغبراء، وقد قام ذلك النزاع في النصف الثاني من القرن السادس، بعد أن عقد الصلح في حرب البسوس بفترة قصيرة، وظل الفريقان تخمد بينهما الحرب وتقوم مدة طويلة استمرت إلى ما بعد ظهور الإسلام، وفي هذه الحرب اشتهر عنترة بن شداد العبسي بجولاته الصادقة، وقد عاش عنترة فيما بين سنتي 525-615 تقريبا، وهو يعتبر من أعظم أبطال العرب، وأشهر شعراء العصر الجاهلي، ولا يخفى أن قبيلتي عبس وذبيان، كانتا تسكنان في وسط بلاد العرب، وكانت تجمع بينهما صلات القربى؛ إذ كانا ينتميان - كما تقول الرواية العربية - إلى الجد الأكبر غطفان.
وكنا نريد أن نذكر حرب الفجار، التي وقعت في الأشهر الحرم في أواخر القرن السادس الميلادي وما تبعها من حلف الفضول، ولكنا آثرنا أن نرجئ الكلام عنهما إلى كتابنا الثاني عن تاريخ العرب في عهد النبي؛ لأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قد شهد كلا من الحرب والحلف في شبابه قبل البعثة، فالحرب - وإن كانت من تاريخ ما قبل الإسلام إلا أنها كانت ذات أثر في حياته عليه السلام بعد الإسلام.
والآن وقد انتهينا من ذكر أشهر أيام العرب، فإنا نختتم هذا الفصل في تاريخ الحجاز، ونعقد فصلا جديدا للحجاز في فجر الإسلام، نعالج فيه الحالة الدينية والاجتماعية في البيئة العربية الشمالية، ونضمنه شتات ما عساه أن يكون فاتنا من تاريخ عرب الشمال، لنمهد بذلك لتاريخ بلاد العرب على عهد رسول الله
Página desconocida